بقلم ريدان سلمان شقير*
وُلِدَ الشَّيخ أبو سلمان حسين دربيَّه سنة 1911 في بلدة عين جرفا، قضاء حاصبيّا. ونَشَأ في بيتٍ توحيديٍّ دينيٍّ متواضع. والده المرحوم الشَّيخ محمود دربيّه، كان رجلاً طَيّب القَلب، صادقَ النَّيّه، تَقِيًّا في معاملته مع نفسه والنَّاس
تَرَبّى الشَّيخ ومنذ نعومة اظافره على التَّوحيد والقيام بأحكامِ الدِّين الشّريف. كما وكان قد تَحَمَّل مسؤولِيَّة المنزل عندما طلبَ من والده الذَّهَاب الى مَجلس البيَّاضه الشَّريف للتَّعبُّد، تاركاً على نَفسِهِ شِقَاوَةَ العَمَل في الأرض ليؤمِّنَ الرِّزقَ الحَلال لَهُ وأهله. فوافق والده على الطَّلَب، وذَهَبَ الى خلوات البَيَّاضَه الشَّريفه يَتَعَبَّدَ الله تعالى حَقَّ العباده.ويروى انَّه كان يقضي اللَّيل يَتَعَبَّد وَيَبكي
كَانَ الشَّيخ أبو سلمان حسين أُمِيًّا، لا يعرف القراءة والكِتابة، وذلك لانشغاله منذ حَداثة سنِّه في العمل لتأمين معيشة أهله. ورغم هذا، فإنّه سَعَى وجاهدَ جهاداً كبيراً لتحصيل العلوم الدِّينِيَّه وتَرَدَّدَ الى بعض المشايخ ليَتَعَلَّم قليلاً من القراءة والكتابة، لِيَتَسَنَّى لَهُ حفظ المَعلوم الشَّريف، ساعياً لخدمة نفسِهِ و إخوانِهِ ومجتمعه
وكان يستقبل كل من يزوره ،مستمعاً اليهم مُلَبِّيًا طلباتهم، داعياً لهم بالخير والتَّوفيق وحُسن الخاتمه. فيخرج الزائرون من منزله مَجبُوري الخاطر فَرِحِي القُلُوب
وَلَمَّا قام الشَّيخ في تسعينيَّات القَرن الماضي بزيارة مِنطَقة الشُّوف مع وفدٍ من المَشايخ الأجلاء، قامَ سيدنا المرحوم الشَّيخ أبو حسن عارف حلاوي رضي الله تعالى عنه وفَرَض على الشَّيخ أبي سلمان ارتداء العباءة البيضاء، فرفض الشَّيخ أولاً لَكِنَّهُ عادَ وقبلها بعد أن أجابه سيدنا الشَّيخ أبو حسن عارف أنَّه سيَمسِك على نفسهِ إن لم يقبلها. فلبسها الشَّيخ اكراماً لهُ باكياً بُكاءً مريراً
ويروى انَّه ذات يوم زاره رجلاً من الطَّائفة المسيحيّة الكريمة قَادِمًا من المهجر من بلاد أستراليا. فدخل وسَلَّم على الشَّيخ وقال له: يا شيخ سمعت عنك الكثير… فقصدتك من البلاد البعيده عَلَّني أجد الدَّواء الشَّافي لولدي المريض من حسن دعائك وكرامتك عند الخالق عزَّ وَجَلّ. وَأَكمَلَ أَيُّها الشَّيخ “عندي ولد مشلول… قصدت أشهر الأطباء وأحدث المستشفيات، ولكن دون جدوى…”
فأجابه الشَّيخ: عسى الله أن يجبر خاطرك ويشفي ولدك. إنَّه على كلّ شيءٍ قدير
وسُرعان ما أنهى الشَّيخ كلامه، رَنَّ هاتف الرّجل الجَوَّال، فَرَدَّ الرَّجل ملهوفاً بعد سماع صوت زوجته خائفاً من أن يكون خبر وفاة ابنه سبب الإتصال، وإذا بِهِ يتفاجئ إذ أنَّ الخبر هو أَنَّ ولده بخير ويميل الى التَّحسُّن. فَبَكَى الزَّوج بمرارة، وأخبَرَ الشَّيخ بما جرى وَشَكَره، ثم ودّعه وانصَرَف
وَرُوِيَ في حادثةٍ ثانيه عن الشَّيخ رضي الله عنه ، أنَّه في يوم من الأيّام وبينما الشَّيخ في منزله، سَمِعَ شجاراً حادًّا بين جيرانه، فخرج من المنزل ليتفاجأ بأنَّ رجلين من أبناء حَيِّهِ يتشاجران ويتكلمان كلاماً سفيهاً وغير مألوف. فتوجّه اليهما وطلب منهما وبكل لطف أن يَكُفَّا عن هذا الصراخ، فَلَبّى أحدهما طلبه معتذراً وكَفَّ عن الصراخ احتراماً للشَّيخ ولمنزلته العاليه. أمَّا الثَّاني فلم يكترث بالأمر، وعلا صوته أكثر.فغضب الشَّيخ وقال له بِحِدّة: اخرس… فَخَرِسَ الرَّجل فجأة وَكَفَّ عن الكلام نهائيًّا
وَلَمَّا رَأَت زوجة الرَّجل حالته وما أصابه من السُّكوت المفاجئ، وتأكَّدَت من عدم قدرته على الكلام، دَخَلَت مُسرِعَة الى الشَّيخ قائلةً بِلَهفه:”دخلك يا سيدنا الشَّيخ، زوجي قد خَرِسَ تماماً، وَلَم يَعد بمقدوره الكلام، فَسَامِحهُ وادع الله له أن ينطق من جديد.” فَأجابها: سَيَتَكَلَّم إن شَاءَ الله، ولكن شَرط الكَفّ عن الكلام البذيء . فَرَجِعَت الى زوجها وأخبرته بما قاله الشَّيخ، فانصَاعَ للأمر خَاشِعًا وَمُطِيعًا لله تعالى، فانطَلَقَ لسانه بحمدِ الله عزَّ وجَلّ وَسرّ الشَّيخ وَبَرَكته
وللشَّيخ كرامات كثيرة يضيق هذا المجال بها وله حجرة في عين جرفا تزار للتبرُّك بِهِ
أمَّا عن حياة الشَّيخ الخَاصَّه، فقد تَزَوَّجَ الشَّيخ وَأَنعَمَ الله تعالى عليه ورَزَقه إبنه فاضله تَقيَّه وولدين كريمين فاضلين هما: الشَّيخ أبو مهدي سلمان دربيّه أطال الله في عمرهِ، والمرحوم الشَّيخ أبو حسين محمود دربيّه الذي توفاه الله عام2012 ميلادي
أمَّا الشَّيخ أبو سلمان حسين دربيَّه فقد تُوُفِيَ عام 2005 عن عمرٍ يُنَاهز ال 94 عاماً ، فافتقده أهل بيتهِ وبلدتهِ والمنطقة والطَّائفة بأسرِهَا. وَأَقُيم لَهُ مأتَم مَهِيب قَصَدَه النَّاس من كُلِّ حَدبٍ وَصَوب، ذاكرين مواقفه الجَريئه وخدماته الكثيرة، وَمَنَاقِبِهِ الحَميدَة الجَمَّه . رَحِمَهُ الله ونَفَّعَنَا ببركاته
ريدان سلمان شقير: ناشط إجتماعي وطالب جامعي اختصاص أدب عربي*