الليالي العشر على هدي القرآن

بقلم الشيخ كامل فرحان العريضي

الحمدلله موقت الأزمان والدهور، الذي قسم في كتابه العزيز بالليالي العشر، وصلى الله على نبينا محمد الذي حثنا على اغتنام هذه الأيام والليالي المباركات، بالطاعة والأعمال الصالحات، وعلى آل بيته الطاهرين وصحبه الميامين، وجميع من اتّقى الله وعمل بمحابه ورفع الأذى والضرر عن الناس أجمعين

 

تستمد هذه الأيام والليالي المفعمة بالخير، شرفها وبركتها، من قوله تعالى: {وَالْفَجْرِ. وَلَيَالٍ عَشْرٍ. وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ. وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ}. ولا يخفى على العاقل اللبيب، أن قسم العزة الإلهية بها دلالة عظيمة على قدسيتها ومعناها. والمتأمل لهذا القسم الرباني في سورة الفجر يجد أن  المحور الرئيس لها يدور حول عدد من ركائز العقيدة الإسلامية‏،  وأنها تستعرض عددًا من طبائع النفس الإنسانية في كل من حالات الرخاء والشدة‏،‏ وتستنكر عددًا من أمراض تلك النفوس التي قد تكون سببا في الخسران في الدنيا والآخرة‏،‏ وتوضح أن من سنن الله تعالى في خلقه سنة الابتلاء بالخير والشر فتنة‏. وتشير كذلك إلى عدد من صور العقاب الذي نال أمما سابقة كانت قد كفرت بأنعم ربها فعاقبها الله تعالى جزاء كفرها‏،‏ كما تلمّح إلى بعض الأحداث المصاحبة ليوم القيامة‏،‏ وإلى ما سوف يتبعه من بعث‏،‏ وحشر‏،‏ وحساب‏،‏ وجزاء‏،‏ وخلود إما في الجنة أو في جهنم

 

ومن خلال المواضيع العقائدية الأساسيّة التي عالجتها سورة الفجر المكية، وحال النفس الإنسانيّة وتقلباتها، وما أصاب بعض الأمم السابقة، وبعض أحداث يوم القيامة، يظهر لنا جليا، موقع هذه السورة المقدسة ومكانتها العظيمة. وأن يكون مطلعها وبدايتها بقسم بالفجر وليال عشر، فهو أعظم برهان لذي حجر، على أهمية هذه الأيام والليالي

 

فَضْل الأيام العَشر من ذي الحِجّة

 

فُضِّلت الأيّام العَشر من ذي الحِجّة على غيرها من أيّام السنة من عدّة وجوه

 أقسم الله عزّ وجلّ بها في القرآن الكريم، والله تعالى لا يُقسم إلّا بشيءٍ عظيمٍ؛ قال الله -تعالى-: (وَالْفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ)، والمقصود بالليالي العَشر؛ العشر من ذي الحِجّة على الصحيح ممّا ورد عن المُفسِّرين والعلماء

 

 تشمل الأيّام العشر من ذي الحجّة أفضل الأيّام، مثل: يوم عرفة؛ وهو يوم الحَجّ الأكبر الذي تُغفَر فيه الذنوب والخطايا، وتُعتَق فيه الرِّقاب من النار، ومنها أيضاً يوم النَّحر؛ لقَوْل النبيّ عليه الصلاة والسلام: “إنَّ أعظمَ الأيَّامِ عندَ اللَّهِ تبارَكَ وتعالَى يومُ النَّحرِ ثمَّ يومُ القُرِّ”.0

 

تُؤدّى فيها فريضة الحجّ التي تُعَدّ من أعظم الفرائض

 

شَهِدَ لها رسول الله بأنّها أعظم أيّام الدُّنيا إذ قال: “ما مِن أيَّامٍ أعظَمُ عِندَ اللهِ ولا أحَبُّ إليه مِن العَمَلِ فيهنَّ مِن هذه الأيَّامِ العَشرِ، فأكثِروا فيهنَّ مِن التَّهليلِ والتَّكبيرِ والتَّحميدِ”.0

 

 تجتمع فيها أمّهات العبادت. كما أخرج البخاريّ عن عبدالله بن عباس: “ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذِه؟ قالوا: ولَا الجِهَادُ؟ قَالَ: ولَا الجِهَادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بشيءٍ”.0

 

 تُعَدّ الأيّام العَشر من ذي الحِجّة الأيّامَ المعلومات الواردة في قَوْل الله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}

 

عبادات مستحبة في الأيّام العشر

 

يستحب الإكثار من الأعمال الصالحة والعبادات في كل الأوقات، إلا أن لها في هذه الأيام المباركة أجرا كبيرا. وهذه بعض المستحبات كما أشار اليها الفقهاء

 

أداء مناسك الحج والعمرة هما من أفضل الأعمال التي تؤدى بها في الأيام العشر؛ بل من خصائص هذه الأيام مشروعية الحج فيها

 

الصيام يعتبر الصيام من أفضل الأعمال الصالحة، حيث إن الله عزّ وجلّ قد اختصه لنفسه إلى نفسه فقال في الحديث القدسي: “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”. لذلك فإنّه من المستحبّ صيام أيام العشر من ذي الحجة، لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم حثّ على عمل الخير فيها، وقد ذهب بعض العلماء إلى استحباب صيامها كلها استحبابا شديدا

ومن السنة المؤكدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صيامه يوم عرفة، ودعوة المسلمين لصيامه لما فيه من أجر عند الله ومصاعفة للحسنات وإعفاء عن السيئات. أما صيام يوم عيد الأضحى فهو محرم باتفاق الفقهاء

 

الصلاة تعتبر الصلاة من أعظم العبادات وأكثرها فضلاً، لذلك يتوجّب على المسلم الحرص على أدائها في أوقاتها وفي جماعة، ويجب عليه أن يكثر من أداء الصلاة النافلة في هذه الأيام المباركة كصلاة قيام الليل، وصلاة الضحى، وغيرها، كما جاء في الحديث القدسي: “وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه”.0

 

الصدقة من الأعمال الصالحة التي حثّ الله عزّ وجل الإنسان على القيام بها، خاصةّ في هذه الأيام المباركة، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.0

 

 يستحب ذكر الله سبحانه بجميع أنواع الذكر سواء بقراءة القرآن، أو التكبير، أو التحميد، أو التهليل، أو الاستغفار، أو الدعاء، فقال تعالى: { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}.0

 

 الدعاء بالخير وطلب العفو والمسامحة من الله سبحانه، لنفسه وإخوانه، لعل الله يتقبلها بلطفه ورحمته عملا بقوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ مع السعي الحثيث من قبل الإنسان لتحقيق شروط الدعاء كي يُستجاب

 

الليالي العشر هي بمنزلة رحلةٍ لا بد من القيام بها ليصل المؤمن إلى الغاية التي هي فجر العيدِ. والرحلة هي بالمعنى التوحيدي الإيماني سبيل ارتقاء من الإنشغال بحاجات الجسد الفانية، إلى إستدراك ما يكمن في لطائف الروح اللطيفة النورانية، من قوة معنوية خيّرة من شأنها تحرير الإنسان من كل زيف دنيوي وإختلال خلقي وإلتباس في المفاهيم

وتجدر الإشاره الى تقليد شعبيّ دأبت الناس على اتباعه هو إضاءة شمعة أو أكثر في ليالي العشر خصوصاً في أوقات الذِكر والقيام بالصلاة. ولكن يجب التنبه إلى الشمعة الحقيقية التي يجب إضاءتها وهي سجايا الخير في الروح الإنسانية التي يستشعرها الإنسان من الداخل. وأجمل العيد أن نُوفق في إضاءة شمعتنا الروحية في ذات أنفسنا حيث تنير دربنا بنور الهداية لمواصلة السير في طريقنا للفوز برضى الرحمن

 

إخواني وأخواتي الأحباء

نتضرع للمولى القدير أن يقدرنا للقيام بالطاعات والعبادات في هذه الأيام والليالي، وفي سائر الأوقات، ونرجوه تعالى أن يتقبلها خالصة لوجهه الكريم بجاه حبيبنا المصطفى، وأن تكون في ميزان حسناتنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا مَنْ أتى الله بقلب سليم

الشيخ كامل فرحان العريضي: باحث في العلوم التوحيدية ومدير ثانوية الإشراق-المتن