بقلم أيوب مرعي أبو زور
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(الجزء السادس)
وصلنا نحن وإياكم إلى العنصر الأخير وهو الأثير، بعد أن كنا قد تحدثنا في الأجزاء السابقة عن عنصر التراب وعنصر الماء وعنصر الهواء، وعنصر النار، وأجبنا على السؤال التالي: كيف نحافظ على بريق ألوان الروح النورانية في كل من هذه العناصر؟ وأوضحنا بأن ضبط هذه العناصر وموازنتها يمثل جوهر مسلك الإيمان الحق، فمن حقق هذا الجوهر كان من الفائزين في الدنيا والآخرة. ونستكمل الآن حديثنا عن عنصر الأثير، وسنحاول بإذن الله تعالى أن نبين بعض الحقائق عن طبيعة هذا العنصر.0
وكما أشرنا سابقا إلى أن لكل عنصر من هذه العناصر بعدين: بعد روحاني (جوهر وأصل منشأه) وبعد مادي (تجلي للجوهر في هذا العالم المادي)، ولتحقيق استمرارية نقاوة وشعشعانية كل عنصر من هذه العناصر يجب على المؤمن أن يعتني بمسلكه بما هو ظاهر ومتجلي من جهة، وبما هو باطن وجوهري من جهة أخرى.0
خامسا: عنصر الأثير: من حيث الظاهر يمثل عنصر الأثير الفضاء الذي تظهر فيه كل المخلوقات، فهو النسيج الكوني الذي ترتسم عليه كل هذه الصور المادية، ولو شبهنا هذا الكون بأكمله للبحر، فإن الأثير هو الماء الذي تسبح فيه الأجرام السماوية، والذي تتشكل فيه الشعاب المرجانية، أي هو الحامل لكل مكونات هذا الكون.0
والتعامل مع هذا العنصر ليست مهمة بل هي نعمة، تتنزل على السالك بعدما يكون قد أتم مهمة العناية بباقي العناصر وضبطها وسيطر عليها وأحسن توجيهها بما يخدم هدفه الأسمى، أي عندما يتطهر ترابه من كل ما هو حرام وكل ما هو ميت، فكما اسلفنا بأن السالك على هذه الدرب المباركة يكون قد أدرك بأن عليه أن ينشغل بما خلقه الله تعالى لأجله، لا أن ينشغل بما خلق الله تعالى له، أي أنه يعيش حقيقة أن هذا البعد الترابي يحتاج الغذاء فقط ليستمر، ولذلك يصبح الغذاء عنده قوت، فيكتفي بتمرة لأيام، ويشفّ ماؤه من كل عكرٍ ويصفو، ومن أين يأتيه العكر وقد طهر جسده من كل شائبة قد تشوبه بماء زلال رقراق، ويسمو هواؤه ويتلألأ بأنوار الطهارة، هذا الطهارة التي تعكس نصاعة الفكر ونقاوته وخلوه من أي نية شريرة أو فكرة سيئة أو وسوسة، وتستكين ناره وتصير بردا وسلاما عليه، فلا تعود لشهواته أنفاس ولا لرغباته صدى إلا التعبد والعبادة. ويصبح هو الهيكل وهو الصخرة وهو القبلة، عندها ينبلج فجر الحب الحقيقي اللامحدود واللامشروط وتشرق شمس الحقيقة على قلبه، فيبصر. وعندما يبصر يرى ذاته تسبح في النور ويصير التسبيح انفاسه، والحمد شرابه، والشكر غذاءه، فتصير خلاياه حية بنور الحق وتشع بنور الحقيقة، حتى يفنى بالنور. ففي هذا البُعد ليس هناك أفعال ولا أعمال ولا فروض ولا عبادات، ليس هناك إلا الحضور الصافي، وهذا الحضور الذي يتردد صداه على شكل صلوات لا تنقطع، لأن ليس هناك انفصال، فعندها تكون قد عادت قطرة الماء إلى المحيط، ورجعت الدائرة إلى نقطة البيكار، وانمحقت “الأنا” المزيفة بسطوع حقيقة “الهو” السرمدية، ويتحقق التوحيد. تم.0
أيوب مرعي أبوزور: كاتب وشاعر لبناني من بلدة تنورة قضاء راشيا، حائز على ماجستير في علوم البيولوجيا من كلية العلوم في الجامعة اللبنانية