بقلم أيوب مرعي أبو زور
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(الجزء الثالث)
تحدثنا في الجزء الثاني عن عنصر التراب، وأجبنا على السؤال التالي: كيف نحافظ على بريق ألوان الروح النورانية في عنصر التراب، والآن نستكمل حديثنا عن عنصر الماء، وسنجيب بإذن الله تعالى على السؤال نفسه: كيف نحافظ على بريق ألوان الروح النورانية في عنصر الماء؟0
نكرر، هذه الكيف هي جوهر مسلك الإيمان الحق، فمن حقق هذا الجوهر كان من الفائزين في الدنيا والآخرة. وكما سبق وذكرنا سنتحدث نحن وإياكم عن كل عنصر على حدى، وسنبدأ من الأكثف إلى الألطف، أي بهذا الترتيب: التراب ثم الماء ثم الهواء ثم النار ثم الأثير. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن لكل عنصر من هذه العناصر بعدين: بعد روحاني (جوهر وأصل منشأه) وبعد مادي (تجلي للجوهر في هذا العالم المادي)، ولتحقيق استمرارية نقاوة وشعشعانية كل عنصر من هذه العناصر يجب على المؤمن أن يعتني بمسلكه بما هو ظاهر ومتجلي من جهة، وبما هو باطن وجوهري من جهة أخرى.0
ثانيا: عنصر الماء: يتمثل عنصر الماء في البلازما، الدم، اللعاب، الدمع، العرق، والبول. والعناية بهذا العنصر على الرغم من أهميته (وخلقنا من الماء كل شيء حي)* تعتبر مهمة سهلة نسبيا على من اختار أن يسلك هذا الطريق، وكما أشرنا سابقا إلى أن لطائر كل عنصر جناحان:0
_ الظاهر: وهو كل ما يؤمن استمرارية البقاء على قيد الحياة وتحقيق صحة جيدة.0
-شرب الماء النقي من مصادر موثوقة، شرب العصائر الطبيعية كعصائر الفاكهة والخضروات، والمشروبات النافعة كالشاي الأخضر والزهورات واليانسون والزنجبيل الخ… والتوقف عن شرب العصائر المصنعة المليئة بالمواد الكيماوية الحافظة والألوان والطعمات الإصطناعية، والابتعاد قدر الإمكان عن المشروبات المنبهة كالقهوة ومشتقاتها والشاي الأحمر ومشتقاته، وكل مشروب يسبب إدمان ولو كان طبيعيا وخاليا من أي مواد مصنعة، ولا حاجة لتذكير السالك في هذا الطريق بالنهي وتحريم شرب الكحوليات بكل أصنافها لما فيها من ضرر مباشر على الجسد (المعدة والكبد والكلى) من جهة، ولتسببها بالإدمان من جهة، ولمخاطرة الدخول في حالة السكر وبالتالي فقدان العقل المؤقت وما قد يتعرض له السالك نتيجة لذلك كله.0
-الاستحمام اليومي لمن استطاع لتنظيف الجسد من كل ما علق عليه من أوساخ من مصادر خارجية مثل الغبائر ودخان السيارات والمعامل وغيرها من ملوثات، أو من مصادر داخلية كالتعرق والنزيف. وضرورة الاغتسال اليومي بالحد الأدنى غسل اليدين والوجه عند الإستيقاظ وقبل الذهاب للنوم، وعند الخروج من الحمام، وعند الانتهاء من كل عمل يتطلب مجهود جسدي أو يتطلب استخدام لآلات كهربائية أو ميكانيكية أو التعامل مع مواد صناعية ولو لم تكن سامة.0
-الاحتكاك مع عنصر الماء في بيئته الطبيعية على الأرض، السير تحت المطر، الخوض في مجاري الجداول، السباحة في مياه الأنهار والبحار، لأن بذلك فائدة كبيرة، فمثلما قلنا في هذا التفصيل عن عنصر التراب المكون للجسد، ينطبق أيضا على عنصر الماء، فعنصر الماء الذي يجري في الجسد ليس منفصلا عن مياه البحار والأنهار، فهو منها وإليها سيعود.0
-يشكل الماء نسبة تزيد عن 70% من جسم الانسان، وهو وسط مغلق، لأهميته العظمى، حيث أن هناك عمليات فيزيولوجية معقدة جدا في الجسم تحكم ضبط هذه النسبة، فأي اختلال بنسبة هذا العنصر يؤدي إلى عواقب وخيمة، فلو ازداء عن نسبته، بسبب عدم قدرة الجسم على التخلص من الكميات الزائدة فذلك يسبب الاستسقاء، حيث يتجمع الماء في الانسجة مما قد يوصل إلى الموت، وهذا قد يكون مؤشرا على ضعف في الكلى أو فشل كلوي. واذا نقصت كمية الماء في الجسم يسبب جفاف وأيضا قد يوصل إلى الموت، واسباب نقص الماء في الجسم داخلية وخارجية، خارجية تشتمل على عدم شرب الماء والسوائل، وعلى نزيف حاد جراء حادث ما يؤدي إلى جروح خطيرة، لذلك من الواجب على السالك بعد الاتكال على الله والأخذ بالأسباب أن يتخذ الحيطة والحذر في أعماله وأشغاله وتنقلاته وكل حركاته، أما الأسباب الداخلية تشمل الإسهال الحاد، النزيف الداخلي، نزيف حاد أثناء الدورة الشهرية عند النساء، تعرّق مفرط، وكلها اختلالات صحية خطرة يجب أن تعالج عند الأطباء أصحاب الإختصاص.0
_الباطن: وهو تحقيق ما سبق وتم ذكره بما يرضي الله تعالى ولا يتعارض مع أوامره ونواهيه.0
-للماء قدسية خاصة، فهو أصل الحياة على هذا الكوكب، وقد جاء في القرآن الكريم { ﻭَﺟَﻌَﻠْﻨَﺎ ﻣِﻦَ ﺍﻟْﻤَﺎﺀ ﻛُﻞَّ ﺷَﻲْﺀٍ ﺣَﻲٍّ }، لذلك يجب أن نعي للطريقة التي نتعامل معها مع الماء، فيجب علينا أن نشعر بالامتنان للماء وأن نشكر الله عليه في كل مرة نشرب فيها، أو نغتسل بها، أو أي استخدام آخر نستخدمه فيه.0
-ماء الشرب لا يكفي أن يكون صالحا للاستهلاك البشري عند السالك في طريق الروحانيات، بل عليه أن يدرك بأن هناك فارق كبير بين طاقة وشفافية الماء الرقراق الخارج من باطن الأرض، وبين ماء المكرر في المصافي الصناعية والمليء بالمواد الكيماوية مثل الكلور وغيرها، فالاول يختزن فيه عبق الطبيعة بتوازنها الفطري الذي خصها به الله عز وجل، بينما الثاني فيه اختلال كبير من حيث الطاقة والتركيبة، وأثبتت الدراسات الحديثة عبر مراقبة الذرات المكونة للماء باستخدام الميكروسكوبات الحديثة (المكبر، المجهر) بأن الماء عنصر حي بذاته، فهو يتفاعل مع البيئة المتواجد فيها على مستوى تركيبته الذرية، فالماء عندما يخرج رقراقا من باطن الأرض يكون سعيدا مبتهجا، فتتشكل ذراته على شكل بلورات كريستالية بديعة الصنعة كالنجوم المتلألئة وهذا يعكس كونه في حالة من البهجة والانسجام، بينما الماء الخارج من الحنفية فأنه يظهر على شكل ذرات غير منتظمة ومتراصفة بعشوائية وهذا يعكس كونه في حالة من التعاسة واللانسجام. هذا من حيث المصدر.0
-من حيث البيئة التي يتواجد فيها، وتشمل هذه البيئة الوعاء الذي يحتوي الماء، والمكان الذي يخزن فيه الماء، البيئة أو المحيط الذي يتواجد فيه الماء (سكون، ضوضاء، هدوء، صراخ، بكاء، ضحك وابتهاج، الخ…):0
الوعاء الذي يحتوي الماء: من الواضح للعيان أن في الطبيعة عنصر الماء يحتويه عنصر التراب (الأرض)، ان كان الماء في جوف الأرض أو على سطحها، وكذلك في الجسم الحي فهو يحتويه الجسد الذي هو من تراب، لذلك من الافضل أن تكون الأواني التي تحتوي مياه الشرب أواني ترابية كالفخاريات، أو زجاجية، أو معدنية، ولكن من المستحسن عدم استخدام العبوات والأكواب البلاستيكية.0
المكان الذي يخزن فيه الماء: نظافة المكان مهمة، فلو كان الوعاء الذي يحتوي الماء على طاولة نظيفة ومرتبة سيؤثر ذلك ايجابا على حالة الماء، أما اذا كان موضوعا على أرض متسخة مثلا، أو قرب مواد كيماوية مثل مساحيق التظيفات، او تحت ممر للاقدام أو ما شابه ذلك من أماكن سلبية فأن الماء سيتأثر تأثيرا سلبيا ويصبح في حالة من اللاتوازن واللانسجام على المستوى الذري كما سبق ووضحنا.0
البيئة أو المحيط الذي يتواجد فيه الماء: للبيئة التي يتواجد فيها الماء أثر كبير على حالته الذرية، فكما سبق وأشرنا بأن الماء حي ويتفاعل مع كل ما يحيط به لذلك يجب ألا يعامل معاملة الجمادات، فهو يتأثر كالأطفال، تزعجه الضوضاء والصراخ والاقتتال وتقلق راحته فهو في راحته يسبّح الله عز وجل كما كل شيء {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}، ويرتاح لأجواء الهدوء والسكون، ويحزن في أجواء البكاء والنواح، ويبتهج لأجواء الفرح والسعادة، ويشكر ويحمد في أجواء الذكر الحكيم وسماع العبادات، بل يصبح نورانيا شعشاعا وتصبح لديه القدرة على معالجة وشفاء المتألمين، وهذا ما نراه في مجتمعنا على عدة صور، مثل الرقية على الماء، ومثل الشرب من “طاسة الرعبة”، ومثل التبرك من المياه في المقامات الدينية، أو من عند الأولياء الصالحين، أو في الأماكن المقدسة.0
لذلك كلما كان الماء الذي نشربه ونستخدمه طبيعيا ونقيا ومشبع بالأنوار القدسية كلما زاد من بريق ألوان الروح النورانية في عنصر الماء الذي في داخلنا، وكلما كان عكرا ومكررا ويحتوي على المواد الكيماوية كلما خفت ذاك البريق وأظلم، وعليه فأن في وقتنا هذا صار من الصعب الحصول على الماء الطبيعي المتوازن لذلك يجب على السالك أن يجيد التعامل مع الماء المتوفر لديه ليحسن من جودته قبل استهلاكه كما سبق وأشرنا، وهذه بعض الإرشادات:0
بعد جلب الماء (شراؤه من محلات البيع أو تعبئته من أماكن معينة): ينقل من عبوته البلاستيكية إلى عبوة فخارية أو زجاجية أو معدنية، ولا يشرب فورا بعد التعبئة بل يترك لدقائق حتى يرتاح ويهدأ، ويوضع في مكان نظيف ومرتب ومن الأفضل أن تكون رائحة المكان عطرة، ولا تكون رائحة مواد التنظيف هي الحاكمة، أو رائحة مواد كيماوية أخرى مثل الغاز والمازوت أو البنزين والدخان على أنواعه (دخان احتراق مواد مشتعلة حطب او مشتقات نفطية، دخان سجائر أو نرجيلة، او دخان آلات ميكانيكية وسيارات الخ…)، اختيار عبوة تكون جميلة المنظر، زاهية الألوان، سليمة الصنع غير مكسورة ولا مشروخة، وعند التوجه لحملها قبيل الشرب علينا أن نشعر بالامتنان لتوفر هذه المياه فشعور الامتنان لديه تأثير قوي جدا، وكيف لا، وهو يكون ذكر عبارات فيها ذكر لله والحمد لله والشكر لله على هذه النعمة التي بين يدينا، ولا حاجة للتذكير بأن قبل الشرب كما قبل الأكل نبدأ بذكر اسم الله جل جلاله ونتضرع إليه لكي يبارك لنا فيما رزقنا، وعند الانتهاء نشكره ونحمده على هذه النعم الذي أنعم بها علينا.0
وهكذا يستطيع السالك أن يحقق هدفه ويوازن عنصر الماء في جسده بعدما يكون قد حقق توازن عنصر التراب من قبل، وهكذا يكون قد أكتسب القوة اللازمة للسعي نحو السيطرة على باقي العناصر الأرهف في جسده والذي يصعب عليه التعامل معها لأن التعامل معها لا يكون بأشياء مادية ملموسة يمكن السيطرة عليها، بل يصبح في بُعد التعامل مع الأمور المُدرَكة اللاملموسة وأولها عنصر الهواء، أما السؤال كيف؟ نقول للحديث تتمة…0
أيوب مرعي أبوزور: كاتب وشاعر لبناني من بلدة تنورة قضاء راشيا، حائز على ماجستير في علوم البيولوجيا من كلية العلوم في الجامعة اللبنانية