بقلم ريدان شقير
يتفق العلماء والأطباء على أنّ الصحة الجسدية هي سلامة الجسم من الأمراض والآلام وسلامة الأعضاء الداخلية ووظائفها بشكل سليم ونَشِط، إلا أنّ تعريف الصحة النفسية لا يمكن أن يكون بهذه البساطة كما رأى بعض العلماء، حيث إنّ مدلولات النفس ومكنوناتها ومستوى سلامتها وتوافقها ليست ماديّة ملموسة من الممكن قياسها، إنما يُستدلّ عليها من خلال السلوك الخارجيّ للفرد وتفاعلاته واستجاباته، وتختلف تعريفات الصحة النفسيّة باختلاف المجتمعات وثقافتها والقواعد السلوكيّة التي تجري بها، وباختلاف المعتقدات والثقافات التي يتبناها العلماء، وبناء على ذلك فإنّ التعريف البسيط والشامل للصحة النفسية: هي حالة الفرد السائدة والمستمرة والتي يكون فيها مستقراً ومتوافقا نفسيّاً واجتماعيّاً، وباستغلال مهاراته وقدراته الذاتية بأقصى حد ممكن، أي أنها السمة الإيجابية التي يتمتع بها سلوك الفرد واتجاهاته مع ذاته والآخرين، فيكون بذلك فرداً سعيداً ومتوازناً وحسن الخلق.0
وبما ان الإنسان هو اللبنة الأساسيّة للمجتمع وجوهر بنائه، فالإنسان السوي هو مصدر النهضة والفكر والتقدّم، ولكي يقوم الفرد بأداء واجباته ومهامه الذاتيّة والاجتماعيّة على أكمل وجه لا بد أن يكون متمتّعاً بصحة نفسيّة عالية تخلو من الاضطرابات والمشاكل التي تؤثر بشكل سلبيّ في بذله وعطائه وإنجازاته، فالفرد المصاب باضطراب أو خلل نفسيّ له أثر سلبي يعود على ذاته وعلى الآخرين من حوله، فيقف عائقاً في وجه تقدّمه وإنجازاته، لذا فقد ظهرت الأهميّة الكبيرة لدراسة للصحة النفسيّة التي تصل بالفرد إلى الانسجام والتوافق النفسي والاجتماعي، والقدرة العالية على الإنتاجية والسعادة والعطاء.0
إنّ حياة الفرد الاجتماعية والنفسية والبيئية تؤثر سلباً أو إيجاباً في معدل الصحة النفسيّة التي يتمتع بها، وهناك اختلاف وتنوع للعوامل المؤثرة في الصحة النفسية، كالاعتلالات الجسميّة، وأمراض القلب، والاكتئاب، والأنماط الصحيّة غير السليمة، وتعاطي المخدرات والأدوية، كما وللحالات التي يعيشها الشعب اللبناني على وجه الخصوص اليوم كالفقر، والأزمات الاقتصاديه، وفقدان الأمن، وانتشار اليأس، وتدني الدخل، وانتشار البطالة، وانتهاكات حقوق المرأة والطفل، وأساليب التنشئة الأسرية العنيفة وغير السليمة وغيرها، بالإضافة الى جائحة كورونا التي عصفت في العالم أجمع والتي عزلت الفرد عن اسرته ومجتمعه وبيئته في بعض الأحيان، وبالتالي انتشار وظهور الانحرافات وحالات القلق والأنماط السلوكيّة غير السليمة وغيرها الكثير من الآثار السلبيه كزيادة حالات الانتحار والعنف والمظاهر الغير الأخلاقيه.0
جميع هذه العوامل البيئيّة والنفسيّة والاجتماعيّة والصحيّه من شأنها حرمان الأفراد من التمتع بالاستقرار النفسي والصحة النفسيّة السّليمه.0
وبناء على ما تقدّم فإنَّه ومن الواجب على كل فرد في المجتمع العمل على تعزيز صحّته وصحّة مجتمعه وبيئته النفسيّه كما قال تعالى في كتابه العزيز في الآية ال 110 من سورة البقره: ﴿َومَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ وذلك من خلال الاهتمام بتلبية الحاجات البيولوجية الأساسية من طعام وشراب ونوم وراحة. كما وممارسة الرياضه بشكل مستمر لما لها من تأثير ايجابي ناجح في تحسين صحة الفرد النفسيّه.بالإضافة على المساعدة على تكوين الصورة الإيجابيّة والاتجاه السليم نحو الذات عن طريق الإيحاءات الإيجابيّة للذات في جميع المواقف.0
وعلى منهاج علم النَّفس في الاسترخاء قدر الإمكان في جميع المواقف الحياتيّة، والابتعاد عن مصادر القلق النّفسي والتوتر والخوف والاهتمام بالمظهر العام والمحافظة على النظافة الشخصية والمظهر الأنيق والمرتب وفي طلب المساعده من اصحاب الاختصاص دون تردد في حال التعرض لاي مشكلة نفسيه.0
وعلى صعيد الامور الحياتيه في تحديد هدف واضح للحياة والسعي المستمر والدؤوب لتحقيقه. وعلى صعيد الأهل في التنشئة الأسريّة السليمة والخالية من العنف تجاه الأطفال والمراهقين.
وعلى الصعيد الاجتماعي في المشاركه بالحياة الاجتماعيه والجمعيات الناشطه في مجال الصحه النفسيّه كما وفي المساهمه في خدمة المجتمع بشتّى الطّرق.0
أخيراً فإنَّه وعلى الإنسان الصَّالح المحافظه على مجتمعٍ صالح وعلى أن يساهم في توعية محيطه وأسرته وبيئته على الإهتمام في الصحة النفسيه التي تسمو بنا الى اعلى الدرجات وترسخ فينا قيم المحبّة والتسامح والرّحمة التي اتفقت عليها كتبنا السماوية الطّاهره في الانجيل المقدّس والقرآن الكريم والتي تأخذ بأيدينا الى مجتمع افضل ووطن افضل وعالم باعثٍ للسلام والألفة أكثر. وكما قالوا قديما :”العقل السليم في الجسم السليم” دعونا نقول من الآن أن العقل والجسم السَّليمَين في الصحّة النّفسيّة السّليمة.0
ريدان سلمان شقير: ناشط اجتماعي وشبابي.مدرّس في اللغة العربيه وآدابها.يتابع تحصيله العلمي الجامعي في اختصاص الادب العربي