في زمن الإنهيار.. بني معروف يؤكدون على نهائية الهوية

بقلم طارق حديفه

كثرت الأحاديث في الآونة الأخيرة عن الفيدرالية، وتقسيم البلد إلى كانتونات طائفية. فمع تفاقم الأزمات و وصول البلاد إلى الإنهيار الشامل، في أخطر مرحلة لم يشهد لبنان لها مثيل منذ قيام الكيان، أعاد روّاد الفيدرالية نشر فكرتهم القديمة-الجديدة. وبغض النظر عن رؤيتنا المعارضة لفكرتهم، هذه المعارضة النابعة من رأينا المؤيد لقيام دولة القانون والمؤسسات، الدولة المدنية المركزية القوية القادرة. إلّا أن ما لفتنا هو قيام البعض غير القليل وفق ما شاهدنا على مواقع التواصل الإجتماعي، بربط فكرة الفيدرالية أو التقسيم بـ “لقاء خلدة” الّذي عقد في دارة رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الأمير طلال ارسلان وجمع إلى جانبه كل من رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي الاستاذ وليد بك جنبلاط و رئيس حزب التوحيد العربي الاستاذ وئام وهاب

 

لذا كان لا بد من لفت نظر أولئك إلى حقائق تاريخية تثبت بأن أبناء معروف كانوا على مر الأزمنة بعيدين كل البعد عن فكرة إنشاء كيانهم المستقل، بل هم المضحين الأوائل في سبيل الوطن الواحد الموحَّد الجامع لكل أبنائه

 

فيوم جاءت القبائل العربية في العام ٧٥٨م (١٤١هجري) واستوطنوا سن الفيل وأقاموا امارة فيها للدفاع عن الثغور العربية من الهجمات الافرنجية حتى باتت هذه الامارة هي الحجر الاساس لما عرف فيما بعد بالكيان اللبناني، ويوم قدّموا الدماء حتى سميّ نهر الموت بذلك نسبةً لإستشهاد ٧٧ أمير ارسلاني في تلك الموقعة، ويوم أقام الأمير فخر الدين حكمه الوطني، ويوم شاركوا بالوفود المطالبة بإقامة لبنان الكبير ومن ثم قيادة معركة استقلاله والدفاع عن وحدته وعروبته وصولاً ليومنا هذا حيث هم صمام أمان مقاومته التي تستكمل ما بدأوه هم قبل قرون، فالمقاومة نهج معروفي عمره من عمر هذا الكيان وأكثر

 

في كل تلك المحطات والمراحل، لم يكن بني معروف سوى أبناء هذه الأرض وحماتها، ولم يسعوا يوماً خلف إقامة دولة درزية بل كانوا ينبذون ويواجهون كل مَن يقدّم هذا الطرح لأنهم يعتبرون بأن الدين لله والوطن للجميع

 

وهذا التمسّك الصادق بالهوية الوطنية وبذل الدماء والتضحيات في سبيلها ليس بجديد، فقد تميّز الموحدون الدروز في بلاد الشام بتاريخ حافل بالبطولات والدفاع عن الأرض والعرض، فهم منذ أيام الرسول  صلى الله عليه وسلّم، أبناء الصحابي سلمان الفارسي ما نكثوا يوماً بعهد ولا خلفوا بوعد ويشهد لهم ولائهم لأرضهم ووطنهم وعروبتهم في البلاد التي ينتشرون فيها، لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، ففي سوريا ثورة سلطان باشا الأطرش على المستعمر الفرنسي عام ١٩٢٥ أكبر دليل، وموقف أبناء الجولان السوري المحتل برفض الهوية الاسرائيلية رغم كل الضغوطات والممارسات الإضطهادية بحقهم يرسخ القناعة بأن هذه الطائفة المعروفية طائفة وطنية قومية بإمتياز، وفي لبنان كان الدروز من أكبر المساهمين في نيله الاستقلال عبر مواقفهم مع الامير مجيد ارسلان عام ١٩٤٣ وبعدها معارك الناصرة والمالكية عام ١٩٤٨

وفي الأردن يقف أبناء العشيرة المعروفية الى جانب المملكة الهاشمية ولهم شهداء كثر في الجيش الأردني ومواقف لا تعد ولا تحصى، أما في فلسطين فمنذ عام النكبة أصر الموحدون على البقاء في أرضهم في فلسطين المحتلة وما باعوا شبر من أرضهم رغم اغراءهم بأموال وذهب، ورغم كل محاولات إقتلاعهم منها ورغم كل محاولات دمجهم ضمن مؤسسة الكيان الصهيوني عبر الترغيب والترهيب، لكن أبناء هذه الطائفة بقيوا على أصالتهم وانتماءهم لعمقهم العربي التاريخي في بلاد الشام وحاربوا كل محاولات سلخهم عن هذا النسيج للوطني وبرز ذلك في الكثير من الحركات التحررية. فبعد إحتلال فلسطين، حاول المحتل فرض واقع على الدروز من خلال التجنيد الاجباري لاظهارهم بمظهر التعامل، بينما في الحقيقة تتزايد أعداد الرافضين بين الشباب الدروز لهذا الواقع، كما تنشط حركة التواصل بين أهلنا في الداخل الفلسطيني المحتل عام ١٩٤٨ واخوانهم في دول الجوار للتأكيد على الهوية القومية العربية

 

وبالعودة إلى الداخل اللبناني، تسجل كتب التاريخ وقفة الأمير مجيد ارسلان في المجلس النيابي بتاريخ ١٠ تشرين الثاني ١٩٣٨، مخاطباً ممثلي الأمة: “اعتذر عن التكلم بطائفية، في عصر أصبحت كلمة الطائفية ثقيلة على الأسماع، لكن عندما نطالب بتمثيل الطائفة الدرزية في الحكم، كحق لطائفتنا فحسب بل كواجب وطني عليها، لأننا نصر على وجوب تحمّل الدروز المسؤوليات في إدارة دفة الحكم ولا نقبل بغير ذلك. علماً بأن تاريخنا معروف فنحن لسنا طائفيين، ويا حبذا لو لم تكن الطائفية موجودة. ولكن لماذا نقف بخيال أصبعنا، الطائفية موجودة في الدستور، في المجلس، في الوزارة، وفي الكيان الوطني، فإذا كنتم تريدون هدمها فنحن أول مَن قدّم لكم المعاول والمطارق.”

 

هذا الخطاب قبل حوالي ٧٣ عاماً، يثبت ما قلناه، وجاء بيان “خلدة” قبل يومين ليؤكد المؤكد حيث ورد في البند الثالث من البيان الصادر ما يلي: “ثمن المجتمعون عالياً موقف الشعب الفلسطيني في مواجهته الاخيرة مع قوات الاحتلال الاسرائيلي وتمسكه بحقوقه على ارضه ودفاعاً عن مقدساته ويعتبرون هذا الموقف المشرّف أملاً في هذه المرحلة السوداء إنطلاقاً من تمسّك طائفة الموحدين الدروز بهويتها وانتمائها العربيين.”

 

هذا هو تاريخ بني معروف وهذا نهجهم، تمسّك بالهوية الوطنية العربية ورفض لمشاريع الإنعزال والتقسيم. ويبقى الأمل أن يحفظ الله وطننا لبنان وشعبه من مجهول قادم

بقلم طارق حديفه : مدير المكتب الإعلامي لمشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان

ويبقى الأمل أن يحفظ الله وطننا لبنان وشعبه من مجهول قادم