ثلاثة وسبعون عاماً، القضية مستمرة… وستنتصر

بقلم طارق حديفه

تعوّد الشعب الفلسطيني ومعه الأمة جمعاء إحياء ذكرى النكبة التي لحقت بالشعب الفلسطيني عام 1948 سنوياً في الخامس عشر من شهر أيار، وهو اليوم الذي فيه أعلنت الجماعات اليهودية قيام الكيان الصهيوني “إسرائيل” على الأرض التي بقيت بحوزتهم والتي تقارب نسبة 78% من أرض فلسطين التاريخية، وذلك بعد هزيمة الجيوش العربية وانسحابها. وتمكنت بعدها هذه الجماعات من إجبار الغالبية العظمى من أبناء الشعب الفلسطيني والّذي كان عددهم في ذلك الوقت يقارب المليون نسمة على الهجرة من مدنهم وقراهم إلى الدول المجاورة لفلسطين، وإلى الضفة الغربية التي بقيت بعد الحرب تحت الحكم الأردني، والتي تم فيما بعد اعلان ضمها ووحدتها مع الأردن إلى أن تم إحتلالها في حرب نكسة حزيران عام 1967، وإلى قطاع غزة الذي بقي بعد الحرب تحت حكم الإدارة المصرية كوديعة فلسطينية قبل أن يتم إحتلاله في حرب نكسة حزيران عام 1967

إذاً الخامس عشر من أيّار هو يوم نتذكر فيه النكبة، نكبةفلسطين والأمة، نكبة احتلال المقدسات، وفصل الشعب عن أرضه وطرد أهالي 531 مدينة وقرية من ديارهم. وفصولها بدأت حين خانت بريطانيا وعودها للعرب بمنح الاستقلال لبلادهم بعد إنهاء الحكم العثماني. وأصدرت على لسان وزير خارجيتها “وعد بلفور” في 2 تشرين الثاني 1917 الذي “ينظر بعين العطف” إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين

وخلال 28 عاماً من حكم الانتداب البريطاني، سنّت بريطانيا القوانين واتخذت الإجراءات التي سهلت إنشاء هذا الوطن حتى أصبح دولةً عام 1948. كذلك فقد نجح اليهود في الاستفادة من الحرب العالمية الثانية بما يخدم مصالحهم، فقد أثاروا تعاطف الرأي العام الأوروبي مع قضيتهم عندما نجحوا بالدعاية والترويج لمذابح النازية ضدهم في ألمانيا، مستغلين تلك الدعاية لدعم زيادة عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين

وقد نجحت الحركة الصهيونية في زيادة الضغط على بريطانيا، فسحبت مشكلة تزايد الهجرة اليهودية من خزائن اللعبة السياسية في بريطانيا إلى طاولة هيئة الأمم المتحدة، التي سارعت الى تبني قرار عام 1947 يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين، دولة يهودية ودولة عربية بينهما وحدة اقتصادية، على أن تبلغ مساحة الدولة اليهودية 56% من مساحة فلسطين وتضم المناطق الشمالية بما فيها الجليل والنقب ومعظم السهل الساحلي، والباقي من فلسطين 43% تقوم عليه دولة عربية، أما القدس وما حولها 1% فقد جُعلت منطقة دولية تخضع لإشراف هيئة الأمم المتحدة، ويلاحظ هنا أن قرار التقسيم جاء مشابها لمطالب الوكالة اليهودية في مؤتمر لندن 1946 مما يؤكد مدى سيطرة الصهيونية على قرارات هيئة الأمم المتحدة منذ إنشائها

حصل قرار هيئة الأمم على موافقة 33 دولة في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي وعارضه 13 دولة مع امتناع 10 دول عن التصويت . فجاء هذا القرار بمثابة طعنة في قلب الوطن العربي وتصميماً غربياً واضحاً على فرض إرادته وسلطانه على الشعوب العربية. الأمر الذي دفع العرب إلى رفض قرار التقسيم لأنه يتنافى مع مبادئ الأمم المتحدة التي نادت بحق الشعوب في تقرير مصيرها.  فتجلى قرار الرفض العربي عسكرياً على يد جيشين شعبيين : الأول جيش الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني والثاني جيش الانقاذ بزعامة فوزي باشا القاوقجي،

في ذات الوقت كانت بريطانيا تحزم حقائبها تمهيداً لإنهاء انتدابها على فلسطين، بعد أن سهلت لليهود سبيل الهجرة ومكنتهم من استقدام السلاح اللازم لمحاربة الفلسطينيين وإقامة دولتهم وتركت لهم ثكنات عسكرية تمكنهم من مهاجمة الفلسطينيين، في الوقت الذي أبقت فيه على قواتها في المناطق العربية لتشلّ حركة المقاومة وتمنعها من التصدي للقوات الصهيونية، فعشية الرابع عشر من أيار سنة 1948 أعلنت بريطانيا انسحابها من فلسطين بعد أن سلّمت للقوات الصهيونية أجزاء كبيرة من أراضي الجليل الأعلى لتكون نواة للدولة الصهيونية المرتقبة، فسارعت القوات الصهيونية في نفس الليلة إلى الإعلان عن إقامة دولتهم، وفور الإعلان سارعت الولايات المتحدة الأميركية إلى الاعتراف بها تبعها الاتحاد السوفياتي وباقي الدول الأوروبية

عندها هبّت الدول العربية المستقلة (مصر ـ سوريا ـ الأردن ـ اليمن ـ العراق ـ لبنان ـ السعودية) في تلك الفترة إلى الإعلان عن قمة عربية، أصدرت من خلالها قرارا يقضي بدخول الجيوش العربية إلى فلسطين نجدة لأهلها، في البداية استطاعت هذه الجيوش، إحراز انتصارات على القوات الصهيونية والتمركز في عدة مناطق من شمال ووسط وجنوب فلسطين لتمنع استمرار التوسع الصهيوني في المنطقة، مما دفع باليهود إلى الاستنجاد بالولايات المتحدة للضغط على العرب لقبول هدنة مدتها أربعة أسابيع من 1حزيران إلى 9 تموز، تلك الهدنة التي ما كان على الدول العربية قبولها لأنها جاءت في مصلحة القوات الصهيونية فقد مكنتهم من إعادة تنظيم أنفسهم وتعزيز قدراتهم العسكرية وقدوم النجدات الأميركية فخرقوا الهدنة في الوقت الذي قررت فيه الدول العربية حلّ قوات جيش الإنقاذ وتسريح الجيوش الشعبية

 فإستفادت القوات الصهيونية من تلك الأحداث بشنّ هجوم موسع على مواقع القوات النظامية للدول العربية مستفيدة من عدم انتظامهم وعدم وجود قيادة موحدة للجيوش العربية، كل هذا مكنّ الصهاينة من السيطرة على ما تبقى من منطقة الجليل الأعلى، تبعها توغل وسيطرة على منطقة النقب، ثم عادت الولايات المتحدة الأمريكية لتقرر هدنة ثانية مع العرب لوقف الحرب، تلك الهدنة كانت للمحافظة على المكاسب التي حققها اليهود في الحرب

خلال هذه الأحداث كانت عصابات الهاغانا الصهيونية ترى أن لابد لنجاح استكمال سيطرتها على العديد من المناطق من طرد أهالي القرى والمدن تمهيداً لإسكان المهاجرين اليهود فيها، فأقدمت على مهاجمة قرية دير ياسين وارتكبت أفظع أنواع المجازر بين سكانها مما دفع بالقرى المجاورة إلى الهجرة الجماعية عن أراضيها هرباً بأعراضهم وأطفالهم من وحشية المجازر الصهيونية وأملاً منهم بمقدرات الجيوش العربية في إعادة الحق إلى أصحابه وطرد القوات الصهيونية من فلسطين . وهنا بدأت مأساة الشعب الفلسطيني، ليس في الدفاع عن فلسطين فحسب، بل في كارثة تهجير أكثر من مليون فلسطيني إلى البلدان العربية المجاورة ( الأردن ـ سوريا ـ لبنان ) لتسارع هيئة الأمم المتحدة بإقامة مخيمات اللجوء لأولئك النازحين الجدد وتقديم المساعدات والمعونات لهم بعد أن ساهمت بقراراتها المكبلة بسلاسل صهيونية في تهجيرهم عن وطنهم

وهنا لابد أن نتوقف عند الأسباب التي أدت إلى نجاح قيام الكيان المحتل و ضياع فلسطين


ـ ضعف الجيوش العربية وعدم اكتمال مقدراتها العسكرية خاصة وأن تلك الدول كانت حديثة العهد بالخروج من دائرة الاستعمار الأجنبي


ـ عدم وجود خطة عسكرية موحدة لدى الجيوش العربية، كما لم تكن هناك قيادة موحدة لها في الوقت الذي كان الصهاينة فيه تحت قيادة واحدة


ـ التباعد الشديد بين القرار السياسي العربي والقرار العسكري للجيوش العربية فقد كان الساسة العرب يطلقون بياناتهم وتصريحاتهم بعيدا عما تقوم به القوات العسكرية ودون حدوث تشاور  بينها


ـ فساد الأسلحة لدى بعض الجيوش العربية وبخاصة مصر لعب دورا هاما في عدم مقدرة الجيش المصري من القيام بالمهام الدفاعية اللازمة


ـ وقوع العديد من تلك الدول العربية تحت ضغط الدول الكبرى وتأثيراتها وقدراتها العسكري لدرجة أن وزير الدفاع الأردني في تلك الفترة كان (كلوب باشا) البريطاني الأصل، كذلك لعبت هذه التدخلات دوراً بارزاً في تحقيق حلم الصهاينة في تأسيس دولة لهم على حساب الوطن العربي

ختاماً،هذا غيض من فيض عن نكبة الأمة، نكبة قيل عنها الكثير ولا حل لها سوى بالتوحد جميعاً خلف راية العروبة والمقاومة لتحرير كل شبر أرض من رجس الاحتلال، كما فعل في العام 1948 الأمير مجيد ارسلان وزير الدفاع اللبناني آنذاك، فيومها كان شخصياً على رأس الجيش وادار المعارك من على خطوط الجبهات وتنقل بينها وحرّر المالكية واستمر بإتجاه الناصرة لكن الذل والخنوع عند الحكام العرب كانا اقوى فوقعت اتفاقية الهدنة التي ذكرناها سابقاً وحصل ما حصل حتى وصلنا الى ما نحن عليه اليوم بعد ثلاثة وسبعون عاماً لا تزال النكبة مستمرة وشلال الدم يروي الأرض الطاهرة… والنكبة باتت نكبات فالقدس دنست، وبغداد احتلت، وبيروت هُدِمَت، ودمشق غُدِرَت … لكن وبعد مرور  كل هذه السنوات النبض الشعبي العربي لم يضيّع البوصلة، فما نشهده منذ عدة أيام خير  دليل على ذلك، فالحدود مع فلسطين المحتلة تشهد حراك شعبي مهم ولافت كما حصل في الأردن ولبنان، والكيان الغاصب الذي كان يريد تهجير أهالي حي الشيخ جراح والاحتفال بتوحيد القدس كعاصمة لكيانه المزعوم، جاءه الرد  من اللّد  وعكا وشفاعمرو  وغيرهم من المدن والبلدات داخل الخط الأخضر، بأن مَن سماهم الاحتلال بـ”عرب إسرائيل” هم بالحقيقة والفعل “عرب فلسطين الأقحاح” وهم من سيحتفلون بتوحيد فلسطين من البحر  إلى النهر  وزوال الكيان الغاصب. و هذا ما يؤكد بأن القضية مستمرة… وستنتصر

طارق حديفه – مدير المكتب الإعلامي لمشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان