قصيدة “قالوا الدروز” للشاعر مارون عبود

قالوا الدروز

قصيدة رائعة من شخص محب بشغف للدروز ويعرفهم ويعرف طباعهم وطريقة تفكيرهم حق المعرفة وهو الأديب والناقد الكبير مارون عبُّود ولكن في البداية دعونا نتحدث قليلا ولو بلمحة بسيطة عن حياته
ولد عام 1886 في قرية عين كفاع (إحدى قرى جبيل – لبنان) تعلم العربية والسريانية والفرنسية واشتغل في مجال التعليم والصحافة، وكان مديراً لمدرسة تدعى الجامعة الوطنية المعروفة بمستواها العالي منذ تأسيسها وحتى اليوم ، عاش في لبنان وزار سوريا والقدس وتوفي عام 1962 في بلدة الكسليك – (جونيه – لبنان) ودفن في قريته عين كفاع
للناقد و الاديب الكبير آثار ومؤلفات كثيرة تدل عليه ، حيث له 15 مجلدا في الأدب والشعر الجاهلي والاسلامي والحديث ، وكما يروى عنه بأن أيّ أديب أو شاعر في الوطن العربي كلّه، لا يطمئنّ ويرتاح باله على كتاب يصدره أو قصيدة ينظمها، إلا بعد أن يقول مارون عبود رأيه فيها، فإن كان رأيه إيجابياً عُرف هذا العمل الأدبي وانتشر، وإن كان رأيه سلبياً فيها، سقطت وأُهملت فلا يكاد صاحبها يجد مطبعة تطبعها، أو دار نشر تهتم بها، فرأيه كان الفيصل في هذه الأمور

لقد عاش مارون عبود بين الدروز مدة 27 سنة في مدينة “عاليه” فخبر أخلاقهم، وعرف مزاياهم، ولمس أصالتهم، وقال مقولته المشهورة: “لو أن هذا المذهب يقبل الدخول إليه، لكنت أول المنتمين إليه” ومن كثرة تأثره ومحبته للدروز وتسامحهم، نظم قصيدته المشهورة في الدروز وعنوانها “في جيرة الوفاء” ولكنها اشتُهرت بمطلعها وهو: “قالوا الدروز” ، حيث نظمها في مدينة عاليه في 23/3/1950 وطبعاً الصدق والمعاني الجميلة والتي تعبر عن محبته للدروز ظاهرة في كل كلمة فيها

قالوا الدروز، فقلت جيل معرقٌ
العقل دين، والوفاء الموثَّق
والصدق شرعتهم، فإن عاهـدتهـم
برّوا ، وإن نطـقوا بأمرٍ يصدقـوا
خلق الأسود متى تمسُّ حماهـم
وسخاء حاتم طيّء إن يطرقوا
تمَّت مروءتهم، فإن نـاديتـهم
طاروا إليك عصائباً تتدفَّـق
ربضوا بباب الشرق خير ضراغم
تحمي العرين، فأين منه الأبلق
غنَّت سيوفهم أناشيداً شجـت
قلب العروبة واستعزَّ المشرق
فإذا مشت بيض العمائم للوغى
حُمَّ القضاءُ، فكلُّ شيخٍ بيرق
وفتاهم يلقى الجموع مجازفـاً
فكأنَّما تحت العبـاءة فيلـق
تتلـثَّم الآفـاق من نـيرانهم
وسيوفهم ككواكبٍ تتألَّـق
وتضيء أوجههم إذا طايبتـهم
وتخالهم جنَّـاً إذا ما أطبقـوا
فإذا سُئلت عن الدروز فقل: هم
قوم لهم في كلِّ حال منطـق
إن تستفزّهم، فقل خاب الرجـا
العقل يعقد ، والسيوف تطلق

قالوا الدروز، فقلت: شعب معرق
العقل دين، والوفاء الموثـق
يستلهمون البـرَّ في ( خلواتهـم
متنسِّكين)، وإن جنفت استغرقوا
وإذا الكريهة شمَّرت عن ساقهـا
كرّوا وفي أفق البطولة حلَّقـوا
ما قصَّرت عن غاية فرسانهـم
فاستنطِقوا تاريخَهم تستوثِقـوا
يمشي الدم العربيُّ في أعراقـهم
صِرفاً صراحاً، والدليل المنطـق
لم لا تُصان أصولهم وفروعـهم
والباب في وجه البريَّـة مُغلـق
فهم ذوو الجبل الطويل نِجـاده
حلّـوا رباه وفي ذراه تعلَّقـوا
تتدهور الأريـاح عن جبهاتـه
وعلى ذوائبه الصواعـق تزلـق
لاذوا به مستعصمين، ومذ غـدا
حصناً لهم ، عزّوا به، وتفوقـوا
وتألبوا عُصـباً تصـون ذمـاره
فرعت سيادته قـلوب تخفـق
فإذا تعرَّض للمطامـع أرعـدوا
وإذا تشير إليه كـفّ أبرقـوا
السيف يخطب عنهم إن هوجموا
والصدق في ندواتهم إن ينطقوا

قالوا الدروز، فقلت: شعب معرق
العقل دين، والوفـاء المنطـق
سبع وعشرون انقضت في ظلِّهم
للّه ظلّـهم المنيـف المـورق
فإذا أقول عشيرتي ، فهو الوفـا
يملي عليَّ، فما هنـاك تمـلّق
فأنا (مواطنهم) بفضـلٍ منهـم
والفضل يعرفـه الدروز السبَّق
قد هوَّن الموت اعتقادهم، فمـا
أجسادهم إلاّ تـراث ينـفق
فإذا هززتَ هززتَ رمحـاً طيِّعاً
وإذا سللتَ سللتَ سيفاً يفلق
وإذا تنمَّـر طارئ صاحوا بـه:
أبشر فإنَّ السيـف حيٌّ يرزق
نحن الألى هـان المـمات عليهم
الروح تبقى ، والقميـص يمزَّق

الأديب والشاعر الراحل مارون عبّود