مرسـوم ترسيـم الحـدود الجنوبيـة… بين الدستـور والسياسـة

بقلم الدكتور حكمت علي مصلح

لقد احتاجت عملية ترسيم الحدود الجنوبية للبنان، لتوقيع مرسوم من قبل حكومة تصريف الاعمال الحالية. وعلى اثر توقيع رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية لعدة مراسيم سميت “المراسيم الاستثنائية”، اثيرت في الآونة الاخيرة، إمكانية اتباع مثل تلك المراسيم في تحديد الحدود الجنوبية بين لبنان وفلسطين، هنا نسأل

ـ هل التوقيعات الاستثنائية دستورية أم لا؟ ولماذا؟0

ـ ما هو مصير المرسوم رقم 6433 القاضي بترسيم الحدود وبين لبنان وفلسطين، الذي لم يوقعه رئيس مجلس الوزراء؟0

ـ هل هيئة التشريع والاستشارات على حق، في قولها بضرورة موافقة مجلس الوزراء مجتمعًا على مرسوم الترسيم؟0

ـ ماذا يعني اجتماع حكومة تصريف الاعمال؟ وما هي تداعياته الدستورية والسياسية؟0

أولًا : في السياسة:0

لاحظنا تنصل جماعي من توقيع المرسوم رقم 6433. وزير الاشغال لم ينسَ زميله في الكتلة، كيف تعرض لعقوبات أميركية نتيجة مواقفه الوطنية. لذلك تريث عن التوقيع، رغم أنه بعد ذلك فعل. ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب أحاله الى مقام رئاسة الجمهورية بدون توقيع. فرده رئيس الجمهورية، طالبًا توقيعه ومستفتيًا هيئة التشريع والاستشارات في كل ذلك. والتي أبدت رأيها بأن يكون المرسوم موقع من رئيس الحكومة ومن الحكومة بالاجماع

مع هذا تريث الجميع، وبانتظار ما ستفضي إليه مباحثات المبعوث الاميركي دايفد هيل. هذا بإيجاز مقتضى ما يجري في السياسة

ثانيًا : في الدستور:0

دستوريًا، يعني هذا الكلام الكثير، وخصوصًا فيما يتصل بموضوع مرسوم ترسيم الحدود رقم 6433 . لتوضيح ذلك نبدأ من

أـ التوقيعات الاستثنائية للمراسيم: هي بدعة جديدة تستند على التصحيح اللاحق للأصول، وهذا يجوز في المراسيم ذات الطبيعة الادارية. أما مرسوم بخطورة رسم خط حدودي مع عدو امر في  غاية الخطورة. وعندنا ان هذه البدعة لا يجوز اتباعها تحت أي ظرف أو ذريعة، اضافة الى سبب دستوري، انها تجعل من رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء يتحكمان بالسلطة التنفيذية في مخالفة واضحة لنص المادة 17 من الدستور ” تناط السلطة الاجرائية بمجلس الوزراء وهو يتولاها وفق أحكام هذا الدستور” وأيضًا لنص المادة 65 في فقرتها الخامسة التي حددت مهام مجلس الوزراء. “وضع السياسات العامة للدولة في جميع المجالات، ووضع مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية واتخاذ القرارات اللازمة لتطبيعها”.0

ب ـ رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل: هذا الرأي لنا عليه مآخذ وهي:0

1ـ لا يحق لهيئة في وزارة، تعديل نصاب اتخاذ القرار داخل مجلس الوزارة وذلك لمخالفة هذا الرأي. نص المادة 65 في فقرتها الخامسة ” يجتمع مجلس الوزراء دوريًا في مقر خاص، ويترأس رئيس الجمهورية جلساته عندما يحضر، ويكون النصاب القانوني لانعقاده أكثرية ثلثي أعضائه، ويتخذ قراراته توافقيًا، فإذا تعذر ذلك فبالتصويت ويتخذ قراراته بأكثرية الحضور” لذلك لا يحق لرأي استشاري أن يعدل الدستور

ج ـ لا يحق لحكومة تصريف الاعمال أن تجتمع

إن مجرد اجتماع حكومة تصريف الاعمال، يعني تعويم لحكومة حسان دياب، علمًا أنه درجت العادة عندما تكون الحكومة في مرحلة تصريف الاعمال ان يتم التوقيع على المراسيم من قبل كل وزير موافق على المرسوم، مع مراعاة المادة 65 في فقرتها الخامسة لجهة نصاب اتخاذ القرار

وحتى لا يؤخذ علينا تشددنا في آلية اتخاذ القرار وانعقاد جلسات الحكومة نوضح بأن دافعنا

1ـ الحرص على الدستور : فهناك آلية لاتخاذ القرار داخل مجلس الوزراء، حددها الدستور وأشارت إليها المادة العاشرة من المرسوم 2552 المنظم لأعمال مجلس الوزراء، فلتتبع هذه الآليات وليس من ضرر على أحد. وهذه الآلية تغنينا عن قاعدة الاجماع. أما انعقاد جلسة مجلس الوزراء اعتراضنا عليها

:أولًا : دستوري وثانيًا وطني

– دستوريًا : تنص المادة 64 من الدستور “لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيل الثقة، ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة، إلا بالمعنى الضيق لتصريف الاعمال” و ان كان رسم حدود مع دولة عدوة تصريف أعمال في نظر البعض، فهو مخطئ. وإن كان دافعهم الحفاظ على المصلحة الوطنية، ليؤلفوا حكومة جديدة. ولا يكلف ذلك سوى الترفع عن الحساسيات فيما بينهم في سبيل الوطن

وطنيًا : نخشى أن يشعر أصحاب المصالح دائمًا عندما تكون الحكومة في مرحلة تصريف الاعمال أن الامور على أتم ما يرام فيتلكأ الجميع عن اتمام الاستحقاق الحكومي وتذهب الامور بالتالي الى ما أسوأ

ان انعقاد مجلس الوزراء بموجب رأي استشاري، سوف يؤخذ ذريعة في المستقبل، لانعقاد مجلس الوزراء والحكومة في حالة تصريف أعمال ، وبالتالي تحول السابقة القضائية إلى عرف، يتبع ويصعب هجره فيما بعد

الدكتور حكمت علي مصلح: دكتوراه في القانون الدستوري