المحبة مدينة… والأمل بابها

بقلم سارة وهاب العريضي

المحبّة والأمل كحال الروح مع الجّسد، هما متقاربان متلازمان يكّمل احدهما الآخر، ويرفعان النفس البشريّة من الحضيض الضيق نحو الرحاب الواسعة. فإنه لا يمكن للإنسان أن يكون محباً خالصاً إذا لم يكن يملك حفنة من الأمل والمحبة ليتبارك بهما خلال رحلته الإنسانية. فالمؤمن العالِم يحمل في يده الأولى المحبّة وفي الثانية الأمل فإنهما مفاتيح الجنة وصفات النفس الراقية والخيّرة

مفهوم المحبّة أقدس من مفهوم الحب الظاهريّ وأقرب إلى مفهوم العشق الربانيّ، نقولها ولا نتذوّق معناها ، نشعر بها ولا نقدّسها، نكتبها ونجهل ماهيتها. كان أفلاطون أول من شرحها بكلماته النورانية ومعارفه الإلهية، فعرّفها “بالحب الأفلاطوني” وهي تدل على الرابطة الروحية القوية التي ترفع الإنسان من عالم الحس والمادة ليرتقي إلى فضاء الحكمة والعالم اللطيف أي الإلتحاق بالمثل العليا حيث الفضيلة والحق

إن الأديان السّماويّة كافة تدعو إلى نشر الألفة والاحترام بين البشر. فالدّين الإسلاميّ حث المؤمن على ترويض نفسه وتدريبها عبر المحبّة الرّوحيّة ومحبة الإنسان أخاه الإنسان، عملاً بقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ” ۚهذا  التماثل يجعل الإنسان سويّاً، فالشّعور بالمحبّة يجلب السّعادة والطّمأنينة. وهذا ما أكده الإنجيل المقدس” أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ” فاللّه أوصى بالمحبّة وبتطبيقها على أن نحبّ الله أوّلاً وننزّهه عن باقي البشر

إنها أسمى المشاعر وأصدقها وأرقاها، فالإنسان بطبيعته بحاجة ليشعر بالاستقرار والانتماء والحماية. لذلك وُجدت محبة العائلة والأقارب والوطن . فهي كفيلة بتعزيز الأهداف الاجتماعية والروحيّة، وخلق الآمال عن طريق الخالق أولاً والأشخاص تالياً. إن محبة الناس إيانا تشعرنا بالحياة، تشعرنا بأننا موجودون لهدف معين. فكم من أحداث أدخلت السعادة إلى قلوبنا نتيجة وجود أشخاص محبين في حياتنا، إنهم بمثابة الضوء في الليلة المظلمة، وكالمطر بعد القحط والجفاف

مشاعر المحبة كالنسيم العليل تجدد الحياة وتزرع الأمل، فهي سر التكوين  ومنقذة البشريّة من الهلاك. فلقد أوصانا بها الأنبياء والرسل لتكون إكليل غار على رؤوسنا، لكن نحن أمة إقتصر مفهومها على الإمتلاك لأهداف شخصية بطرق أنانية، وإتخذنا  من السلام والمحبة شعاراً وكلاماً لا أفعالاً. للأسف فقد بقيت حبراً على ورق، مخفية في سطور الأديان وفي طيات الكتب المقدّسة

فهي كنز لا يمتلكها سوى الصادقين، إنها ترفع الناس من المشاعر الدنيوية الى المحبة العقلية الروحية الصافية. فتجعلنا نترك الظواهر للبحث والتعمق بالأفكار والأرواح منتقلين من عالم الماديات إلى عالم الروحانيات

من ناحية أخرى، على المؤمن إقران العمل بالأمل، “فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك في عبادة ربه أحدا “هكذا أمرنا الله سبحانه في سورة الكهف الآية مئة وخمس عشرة. فالعمل لا يمكن أن ينجح إن لم يكن ممزوجاً بالأمل. فإنه يضفو على الحياة محاسنه ويجعلنا من المحبين الراضيين. عُرّف الأمل أو الرجاء في الكتاب المقدس بأنه: انتظار بلهفة وتوقع خير.  فهما لا يقتصران على الأوهام بل مرتبطان ارتباطاً خالص بالحقائق والشواهد

الحياة أمل، ومن فقد الأمل فقد الحياة “، حياتنا تملأها التناقضات، فالحزن والفرح من مكوناتها ويمر المر ليعلمنا أن الحياة جميلة على الرغم من صعوبتها. إنه الاعتقاد والإيمان أن غداً سيكون أفضل من اليوم وإن المصاعب سوف تزول و لا أحزان تدوم للأبد. فالأحلام ما وُجدت إلا لتكون حقيقة، ولا شيء اسمه مستحيل وكل الأهداف قابلة للتحقيق ما دمت محباً ساعياً وآملاً . فوجود الأمل يريح قلب العارف ويملأ نفسه فرحاً وغبطة كما لو أنه يعيش في الجنّة

نحن نتمسك بالأمل تارة ونصاب بالإحباط أخرى، فنفوسنا خطاءة، وهذا حال الخلق بين الحالين، ولكن يبقى الأمل سراجنا والمحبة طريقنا. ثم إن الخالق سبحانه حرّم علينا أن نسير بطريق الظلام واتباع طريق اليأس وممر القنوط فيقول سبحانه: “وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ”. فلولا وجود الأمل وتمسك العبيد به لكنا من الضالين

فلا يمكن للإنسان أن يصل إلى أهدافه وطموحاته لولا التسلح بالمحبة والأمل

كما نسقي سنسقى، فلنزرع بأرواح الآخرين ورود المحبة وأشجار الأمل بدل شوك الكره واليأس، فالحياة جميلة على الرغم من صعوبتها، لنبقى سائرين على دروب الأمل سالكين طريق المحبة عسى أن نكون من الصادقين المحبين والمتحابين

سارة العريضي: متخصصة بالتربية الحضانية، دبلوم بالتعليم ، وطالبة لغة عربية