بقلم طارق حديفه*
مجلس الشيوخ الروماني أو”السيناتوس”، هو أول المجالس المعروفة في التاريخ، وكان يمثّل السلطة التشريعية العليا في الجمهورية الرومانية التي أعلنت في القرن الخامس قبل الميلاد. وبقي كذلك إلى العام السابع والعشرين قبل الميلاد، حينما ضعف لمصلحة الإمبراطور، ثم لحين تقسيم الإمبراطورية إلى شطرين شرقي وغربي. وكان دور مجلس الشيوخ الروماني تعيين الرومان في المناصب المدنية والعسكرية المهمة وتوجيه الجيوش واعلان الحروب وصرف المكافآت للجنود وقادتهم والإشراف المباشر على انتخاب القنصل ومحاسبة القناصل الذين يحكمون الجمهورية
أمّا أول و “آخر” مجلس شيوخ لبناني فهو الّذي أنشأ بموجب القرار ٣٠٥ الصادر في الرابع والعشرين من أيار ۱٩٢٦ بعد التوقيع على الدستور اللبناني بتاريخ ۲۳ أيار من العام نفسه، وتم إلغاؤه بموجب القانون الدستوري الصادر في ۱٧ تشرين الأول ۱۹۲۷ بإيعاز من سلطات الانتداب الفرنسي وضُمّ أعضاؤه إلى مجلس النواب. وكان مجلس الشيوخ يتألف من ستة عشر عضواً، يعين رئيس الحكومة سبعة منهم بعد استطلاع رأي الوزراء ويُنتخب الباقون، وتكون مدة ولاية مجلس الشيوخ ست سنوات، ويمكن أن يعاد انتخاب الشيوخ الذين انتهت مدة ولايتهم أو أن يجدد تعيينهم على التوالي(وفقاً لأحكام المادة ۲۲ من الدستور قبل الغائها بالقانون الدستوري عام ۱۹۲۷). وكان يُشترط في عضو مجلس الشيوخ أن يكون لبنانياً بالغاً من السن خمساً وثلاثين عاماً كاملة. وكان يتم توزيع المقاعد في مجلس الشيوخ على الطوائف بالشكل الآتي: ٥ موارنة، ٣ سنة، ٣ شيعة، ۲ أرثوذكس، ١ كاثوليك، ۱ درزي و ۱ اقليات(وفقاً لأحكام المادة ٩٦ من الدستور قبل الغائها بالقانون الدستوري عام ۱۹٤٧). علماً أن الجمع بين عضوية مجلس الشيوخ ومجلس النواب لم تكن جائزة، لكن الجمع بين عضوية مجلس الشيوخ والوزارة كان جائزاً ولم يصدر القانون الذي ينظم العضوية في مجلس الشيوخ بسبب قصر عمره. والأعضاء الستة عشر الّذين تألف منهم المجلس ، هم : عبدالله بيهم، الشيخ محمد الجسر، الأمير سامي أرسلان، محمد الكستي، حسين الزين، فضل الفضل، حبيب باشا السعد، يوسف اسطفان، جبران النحاس، سليم النجار، أيوب ثابت، اميل اده، يوسف نمور(توفي وعيّن مكانه بشارة خليل الخوري)، ألبير قشوع، ابراهيم بك حيدر(عُزل في ۲٥ حزيران ۱۹۲٦ وعيّن بدلاً عنه السيد أحمد الحسيني)، والعضو السادس عشر من آل تويني. وفي أول جلسة لهذا المجلس انتخب الشيخ محمد الجسر رئيساً، وحبيب باشا السعد نائباً للرئيس، والأمير سامي ارسلان وفضل الفضل أمينين للسر
هذا من ناحية الأعضاء وعددهم وتوزيعهم الطائفي، أما من ناحية التنظيم والصلاحيات، فقد نصّت المادة ٤٣ من الدستور قبل تعديلها عام ۱۹۲۷ على: “لكل من المجلسين أن يضع نظامه الداخلي” لكن هذا النظام لم يصدر بسبب قصر عمر مجلس الشيوخ وجرى تنظيمه بواسطة قواعد دستورية عامة مثل المادة ۹۹ التي كانت تنص: “على مجلس الشيوخ المُنشأ حديثاً حينما يدعوه المفوض السامي للإنعقاد للمرة الأولى أن يعمد إلى انتخاب رئيس ونائب رئيس وسكرتيرين على الطريقة المنصوص عليها في المادة ال ٤٤ من هذا الدستور، وله في كل مرة يجدّد انتخابه أن يعمد إلى الطريقة نفسها، وعلى مجلس النواب أيضاً في كل مرة يجدّد انتخابه ويُدعى للاجتماع للمرة الأولى أن يعمد إلى انتخاب هيئة موظفيه على الشكل المشار إليه في المادة ال ٤٤. كل هيئة تنتخب في كل من المجلسين على هذه الصورة يجب أن لا تتجاوز مدتها أكثر من عقد شهر تشرين الذي يلي “واستطراداً نصت المادة ٤٤ قبل تعديلها عام ۱۹۲۷ على “عند افتتاح عقد تشرين الأول يجتمع كل من المجلسين برئاسة أكبر اعضائه سناً ويقوم العضوان الأصغر سناً بينهم بوظيفة سكرتير، ويعمد إلى تعيين الرئيس ونائب الرئيس والسكرتيرين كل منهم على حدة بالاقتراع السري وبالغالبية المطلقة من أصوات المقترعين، وتُبنى النتيجة في دورة الاقتراع الثالثة على الغالبية النسبية وإذا تساوت الأصوات فأكبر المرشحين سناً یُعد منتخباً” علماً أن رئيس مجلس الشيوخ كان يترأس المجلسين عندما يجتمعان معاً ويُسمى حينها عمدة البرلمان وهو الذي يحفظ النظام داخل مجلس الشيوخ ورئيس مكتبه. وكان مجلس الشيوخ يجتمع في دورتين عاديتين، الأولى تبدأ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر آذار وتتوالى جلساته حتى نهاية شهر أيار، والعقد الثاني يبتدئ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول وتخصص جلساته بالبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر وتدوم مدة العقد إلى آخر السنة، ويمكن فتح دورات استثنائية عند الضرورة بمرسوم يتخذ من قبل رئيس الجمهورية. وكما ذكرنا فقد جرى تعيين أول مجلس شيوخ في اليوم التالي لإقرار الدستور بموجب المادة ٩٨ من الدستور الجديد التي نصت: “تسهيلاً لوضع هذا الدستور موضع الاجراء في الحال وتأميناً لتنفيذه بتمامه يُعطى لفخامة المفوض السامي للجمهورية الفرنسية الحق بتعيين مجلس الشيوخ الأول المؤلف وفقاً لأحكام المادة ال وال ٩٦ إلى مدى لا يتجاوز سنة ۱۹۲۸” وباشر فوراً المجلس بالقيام بمهامه فانتخب بعد ثلاثة أيام من تعيينه أي في ٢٦ أيار ۱۹۲٦ و بالاشتراك مع مجلس النواب المحامي شارل دبّاس رئيساً للجمهورية
:ولجهة الصلاحيات، فإن الصلاحيات الّتي كان يتمتع بها مجلس الشيوخ قبل الغائه، تقسم إلى عدة أقسام، هي
صلاحيات تشريعية عامة: لم يكن للشيوخ حق اقتراح القوانين كما كان الأمر بالنسبة للنواب، إنما كانت موافقة مجلس الشيوخ على القوانين موافقة لاحقة حيث نصت المادة ١٩ من الدستور قبل الغاءها عام ۱۹۲۷ على مايلي: “في الأصل لا ينشر قانون إلا بعد أن يقره المجلسان. على أن القوانين التي تقترحها الحكومة ويصدقها مجلس النواب أو يشرعها مجلس النواب ويقرها بالاتفاق مع الحكومة لا تطرح على مجلس الشيوخ إلا بناء على طلبه. إن القوانين المذكورة تبلغ مجلس الشيوخ فإذا شاء هذا المجلس أن يضعها قيد البحث وجب عليه أن يعلم الحكومة برغبته في خلال ثمانية أيام، إذا انقضت هذه المهلة ولم يفعل حسب موافقاً عليها”.0
صلاحيات تشريعية مالية: نصت المادة ١٨ من الدستور قبل تعديلها بالقانون الدستوري عام ۲۷ على مايلي: “لرئيس الجمهورية ومجلس النواب حق اقتراح القوانين. أما القوانين المالية فإنه يجب أن تطرح بادئ ذي بدء على مجلس النواب ليتناقش فيها” لذلك فإن القوانين المالية كانت تطرح أولاً على مجلس النواب، ثم فيما بعد على مجلس الشيوخ. وكان مجلس الشيوخ يشترك في إقرار الموازنة العامة للدولة
الوظيفة السياسية: كان للشيوخ كما للنواب الحق في منح الثقة للحكومة وسحبها منها كما كان لهم الحق في سؤالها واستجوابها والتحقيق البرلماني
صلاحيات متفرقة: مثل انتخاب رئيس الجمهورية مع مجلس النواب وتعديل الدستور والمجلس الأعلى المحاكمة الرؤساء
لكن، ورغم كل ما تقدّم لناحية العدد والتوزيع والتنظيم والصلاحيات، فإنه لا يمكننا الحديث عن «تجربة» مجلس شيوخ في لبنان، ففترة السنة والشهور الخمسة التي عاشها، لا يمكن أن توحي ب «تجربة». فالدستور آنذاك أعطى مجلس الشيوخ، وبحسب ما ذكرنا سابقاً، نفس الصلاحيات تقريباً التي اعطاها المجلس النواب، ومنها «حق رئيس الجمهورية بحل مجلس النواب وذلك بعد موافقة مجلس الشيوخ بغالبية ثلاثة الارباع من مجموع اعضائه». وذكر “اذا اختلف مجلس النواب ومجلس الشيوخ في شأن قانون ما فلرئيس الجمهورية أن يدعوهما الى مجلس عام للتناقش في هذا القانون…” وكانت هذه المادة هي التي قصمت ظهر المجلس، فسرعان ما نشبت الخلافات بين المجلسين، ما دفع الفرنسيين والحكومة إلى الإتفاق على تعديل الدستور والغاء مجلس الشيوخ، ودمجه بمجلس النواب
وبعد نشوب الحرب الأهلية اللبنانية في العام ۱۹۷٥، وبعدما تبيّن لأركان الطائفة الدرزية خلو المشاريع وصيغ الحل من أي مطلب لطائفتهم، خصوصاً بعد مؤتمري جنيف ولوزان، عقد حينها أركان الطائفة إجتماعاً في دارة الأمير مجيد أرسلان في خلدة، ضم إلى الأمير مجيد كل من سماحة شيخ عقل الطائفة المرحوم الشيخ محمد أبو شقرا و الاستاذ وليد جنبلاط بالإضافة إلى شخصيات درزية، وذلك في شهر أيّار من العام ۱۹۸۳ وقد خلص هذا الإجتماع إلى إصدار “الوثيقة الدرزية” الّتي طالبت بإنصاف الطائفة الدرزية في موقع دستوري ممّيز (رئاسة مجلس الشيوخ) لأن بني معروف هم شريك أساسي في تكوين لبنان. وأثناء وضع بنود وثيقة الوفاق الوطني “إتفاق الطائف”، عاد موضوع مجلس الشيوخ للتداول بطلب من النائب توفيق عسّاف، الدرزي الوحيد الّذي بقي حياً بعد وفاة النواب الدروز الآخرين، علماً أن النائب عسّاف اشترك في لجنة ال ۱۷، الّتي وضعت النص النهائي لوثيقة الطائف، وبموجب وثيقة الوفاق الوطني تم تعديل الدستور حيث باتت تنص المادة ۲۲ منه المعدّلة بالقانون الدستوري رقم ۱۸ تاريخ ۱۹۹۰/۹/۲۱ : “مع إنتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يستحدث مجلس للشيوخ تتمثّل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته بالقضايا المصيرية”. ولمن يسأل عن «القضايا المصيرية، نحيله إلى الفقرة الخامسة من المادة خمس وستين، التي توضح المواضيع الأساسية التي تحتاج لموافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء، وبالتالي تصلح أن تكون «قضايا مصيرية» وهي : تعديل الدستور، اعلان حالة الطوارئ والغاؤها، الحرب والسلم، التعبئة العامة، الاتفاقات والمعاهدات الدولية، الموازنة العامة للدولة، الخطط الإنمائية الشاملة والطويلة المدى، تعيين موظفي الفئة الأولى وما يعادلها، اعادة النظر في التقسيم الإداري، حلّ مجلس النواب، قانون الانتخابات، قانون الجنسية، قوانين الأحوال الشخصية، اقالة الوزراء
اليوم، وبعد مرور حوالي ثلاثين عاماً على إقرار وثيقة الوفاق الوطني، وعلى مقربة من الذكرى الاولى لثورة السابع عشر من تشرين وفي خضم الأزمات المتلاحقة، نتساءل أين تطبيق ما اتفق عليه في الطائف؟؟ فالسؤال برسم الجميع”هل هناك أفضل من أن يصبح مجلس الشيوخ بديلاً موضوعياً لطاولات الحوار المتكرّرة، فتحال إليه مسؤولية الملفات الشائكة والقضايا المصيرية؟؟، وهو مجلس يمثل العائلات الروحية الكاملة ومخاوفها وهواجسها
ختاماً، فإننا نضم صوتنا إلى صوت رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الأمير طلال ارسلان، الّذي قال مراراً وتكراراً أن مجلس الشيوخ مطلب وطني عام قبل أن يكون مطلب درزي، ونحن نؤيد كافة الخطوات الّتي تساهم وتساعد في تشكيل مجلس الشيوخ
طارق حديفه – مدير المكتب الإعلامي لمشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان*