الصبر.. فضيلة توحيدية وأخلاقية

بقلم الدكتور نزار زاكي*

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله في كتابه الكريم ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ . الصبرُ أيُّها الإخوَةُ والأخَوَات، هُوَ خُلُقٌ فاضِلٌ مِن أخلاقِ النفْسِ المُنجِيَات ؛ مُنبعِثٌ مِن حُسنِ السيرَةِ، وَنَقَاءِ السرِيرَةِ، وَصَفَاءِ النِّيَّات ؛ وهُوَ مَقَامٌ عَظيمٌ مِن أعظمِ مَقَاماتِ الإِيمان، تَتَجلَّى فيهِ لَطَائِفُ الطبَائِعِ، وإِنسانِيَّةُ الإِنسَان ؛ بِحَيثُ يُجَاهِدُ نفسَهُ لِيَسطعَ النورُ المُصَاحَبُ بالإِحراق، فتحصلُ الطاعةُ لِمَنْ أَحصَى الخَلائِقَ وخَلَقَ الكَونَ وَوَزَّعَ الأَرزَاق ؛ وهو يُعرفُ شَرعاً بأنَّهُ “حَبسُ النفسِ عَن كُلِّ مَا يُسخِطُ اللهَ في القلبِ واللسانِ والجوارح”، فيتحقَّقُ الصالِحُ الأبقى من كُلِّ المصَالِح ؛ والغايَةُ الأسمى التي هِيَ غايَةُ الغايات، مِن خِلالِ اجتنابِ الرَّزايا المُوبِقات، واكتسابِ العلوم المُكسِباتِ النافِعات، وزيادةِ زوَّادةِ الحسنات، والإبتعاد عن المفسِداتِ والقباحاتِ والسيِّئَات

الحقُّ أن الحياةَ الدُّنيَا ميزانٌ كفَّتَاهُ الحَلالُ والحَرَام، تتأرجَحُ بَينَهُما الأعمالُ حَسَناتٍ وَآَثام، حَسبَما يتفاوَتُ الخَلقُ فِيها تعاطٍ مَعَ ما يُحِبّونَ وَمَعَ الآلام

أما الآلامُ، فَمِنها الغِيابُ والفِرَاق، والفَقرُ والشِّقَاق ؛ والجُوعُ والضَّيَاع، والفَاقةُ والخِدَاع ؛ والجُرحُ والضَّرب، والسَّبُّ والسَّلْب، والحُبُّ والحَرب ؛ والظُّلمُ والخِيانَة، وضَيَاعُ الأمانَة، والسُّخرِيةُ والإِهانَة ؛ والتَّهجيرُ وضَيَاعُ الحُقُوق، والخِسارةُ والعُقُوق ؛ والعَجزُ والوِحدَة، والتَّسَلُّطُ والسُّلطةُ؛ وانعِدامُ الأمَان، وظُلمُ الُّسلطان، وضيَاعُ الأمَاني، وصُعوباتُ الزمان .. على أَنَّهُ وَإِن كانَ لِكُلِّ داءٍ دَواء، فاِنَّ في الصَّبرِ لِكُلِّ ألمٍ شِفَاء، وخَلاصٌ للنُفوسِ من كُلِّ بَلوى وابتِلاء ؛ وفيه ظَفَرٌ بالجِنان، على أن يَكُ مَقرُوناً بالإيمَان، وَبِتوحيدِ الوَاحِد الأحدِ الحَاكمِ الملِكِ الديَّان ؛ فَمَن رَضِيَ وسَلَّمَ أمرَهُ لِمَن خَلَقه، صَبَر على ما بِهِ اختبره، ليَفوزَ بِنَعيمِ الآخرةِ ويُجزَى بِمَا عَمِلَه

والوجهُ الآخرُ للصَّبر ؛ صَبرٌ عَن ما تَهواهُ النَفسُ فَيُؤذِيها، وَمَا يُفِرحُها في الدُّنيا وفي الآخِرةِ يُشقِيها ؛ فامتَنِعوا عَمَّا منَعَهُ اللهُ وحَرَّمَه، ولا تقُومُوا إِلَّا بِمَا أَمَرَ بِهِ سُبحَانَهُ وَأَوْجَبَهُ وحَلَّلَه ؛ واصبِرُوا عَلى أن تأمُرنَّكُم بالسوءِ أنفُسُكُم، وتُغرِيَنَّكُم فتُفسِدَنَّكُم أَموالُكُم أو أبناؤُكُم أو أحوَالُكُم أو صِحَّتُكُم أو قُدرُتكُم أو سُلطتُكُم أو أرزاقُكُم ؛ وابتعِدوا عَن كُلِّ ما يذهِبُ العَقلَ أو الصِّحَّةَ أوِ المالَ أو الوقتَ سُدَى، وتَذَكَّروا أَنْ لا بُدَّ مِن يَومِ سَيأتِيَنَّ فيهِ الرَّدَا، فلا يُبقِيَنَّ مِمَّن عَلى البَسيطَةِ أحدا ؛ ليَظفَرَ مَن صَبَرَ على شَهواَتِه، وعَلَى غَرائِزِ كثيفِهِ وضِدِّيَةِ طَلَبَاتِه، فهنيئاً لِمَن كانَ أَسعَدُ أيَّامِهِ يومُ مماتِه، إِذِ استَلحَقَ العُمرَ بالطاعَةِ للمعبودِ قبلَ فواتِه

وأختُمُ بِأَن عسانا أن نكونَ مِنَ الموحِّدِينَ الصابِرينَ الفَائِزين، والحمدُ للهِ عَلَى نعمةِ التوحِيدِ دَائماً وأَبَدا

الدكتور نزار زاكي : دكتوراه في القانون ومحامِ بالإستئناف وعضو المجلس السياسي في الحزب الديمقراطي اللبناني