الولي العارف.. سيرة ومسيرة المرحوم سيدنا الشيخ أبو حسن عارف حلاوي

-*بقلم يارا حلاوي-

رحم الله قامات، وإن رحلوا بقيت ذكراهم خالدة أبد الدهر، فقبل حوالي شهر على حلول الذكرى السنوية السابعة عشر لرحيل سيد الجزيرة ولي الله المرحوم سيدنا الشيخ أبو حسن عارف حلاوي، نستذكر سيرته من على منبر banimaarouf.org لتبقى راسخة في نفوس الأجيال، ولنستلهم منها المحبة والعطاء والتقوى والإيمان

ولد سيدنا المرحوم الشيخ ابو حسن عارف حلاوي سنة ١٨٩٩، لأبويْن كريميْن، وعائلة محترمة، في بلدة الباروك- الشوف. وقد نشأ كباقي الفتيان في تلك الفترة، في نطاق قريته يعمل بالزراعة، ويتعلّم الخط عن طريق الخطيب، ويشترك في مناسبات القرية، ككل الشباب. وقد تلقى من والديه كل رعاية وحنان, وعندما كان شاباً لم يبلغ العشرين من عمره، كان قد توجه الى الدين الحنيف، ينهل منه، ويحفظ ويراجع ويصغي ويستمع ويلتقي بكبار رجال الدين في قريته ومنطقته، يستأنس بهم ويصغي الى حديثهم، ويسمع اناشيدهم الروحية، حتى بلغ الثلاثين من عمره، واصبح من الشباب العارفين في مسالك المذهب والعبادة، وفي نفس الوقت، كان يعتبر من الشيوخ الأفاضل، الذين يُسمَع رأيهم، وينتبه رجال الدين الى ملاحظاتهم، ويستمتع الجميع بمواقفهم وشروحهم. وقد برز كإنسان مُلِمّ بكافة جوانب المذهب، وحافظ للمعلوم الشريف، ودارس لأصول التوحيد، وعالم بكل دقائق الحكمة الشريفة، لدرجة أنه تُوِّج بالعمامة المكلوسة وهو في سن الخامسة والثلاثين، وذلك على يد سيدنا الشيخ المرحوم ابو حسين محمود فرج رضي الله عنه, الذي كان حجة في التوحيد، وأباً روحيا للطائفة الدرزية، ومعلماً من كبار متفقهي المذهب، ومشرّعاً وهادياً ومرجعاً في كل الأمور المذهبية

‎اقترن  الشيخ أبو حسن بالست زهر، كريمة المرحوم الشيخ ابو حسيب أسعد الصايغ، الذي كان هو كذلك شخصية دينية مرموقة، يُشار اليها في لبنان والمنطقة، وتُوج كذلك بالعمامة المكولسة، وأخذ مكانه في سدة التوحيد كأحد الأركان. لذلك لا عجب ان يكون سيدنا الشيخ ابو حسن عارف حلاوي, مدعوماً من قبل هاتين الشخصيتين الضليعتين بكل الأمور الدينية، وأن يصبح هو بدوره أحد الأركان في عصرنا الحديث. وقد سكن معظم حياته في قرية معصريتي، بلد عمه المرحوم الشيخ ابو حسيب أسعد الصايغ، مما زاد من المكانة الدينية لهذه القرية العامرة

‎سعى المرحوم في الثمانينات عندما قامت الحرب الأهلية المشؤومة، لتوحيد الصفوف ونبذ الخلافات، والتصدي لكافة المؤامرات

وقد كان المرحوم سيدنا الشيخ محجة للموحدين في حياته، كما هو ضريحه بعد وفاته، فقد زاره في معصريتي طيلة سنوات طويلة عدد كبير من رجال الدين, والزعماء في فلسطين المحتلة والجولان و جبل العرب و سائر الأقطار الذين توافدوا الى معصريتي والتقوا بفضيلة الشيخ، واجتمعوا به وأنسوا بقربه وسمعوا وعظه وإرشاده. وقد يسّر الله سبحانه وتعالى له عمراً طويلاً , فعاش مبجلاً محترماً في قريته وفي محيطه وفي المنطقة بأسرها

‎وشاءت الأقدار ان ينتقل الى جوار ربه في بلدته الباروك يوم الاربعاء السادس والعشرين من شهر تشرين ثاني 2003، مسلماً الروح حيث تم دفنه في بيته في اليوم التالي في الساعة الثانية بحضور عشرات الاف المشيعين الذين عرفوا فضيلته واستأنسوا به وسُرّوا بلقياه

‎تميّز شيخنا الفاضل بالصوت الجميل، وامتاز بقدرته على تلحين الأناشيد الدينية، كما أنعم الله سبحانه وتعالى، عليه بالخط الحسن، حيث كان يسعى الى نسخ الكتب الدينية. هذا وقد ظل المرحوم سيدنا الشيخ خلال عشرات السنوات، أحد أركان الدين وأحد الشخصيات المركزية التي يُعتمد عليها، ويُأخذ برأيها. وفي العشر سنوات الأخيرة، اعتُبر شيخ الجزيرة في مقدمة العبّاد النساك الزاهدين، وحظي بمكانة مرموقة، لصفاته الخاصة وتصرفاته النبيلة وأعماله المجيدة في كافة المجالات. وقد كان المرحوم مشاركاً لأبناء طائفته والآخرين، في كافة المناسبات الدينية والاجتماعية, يهنئ أصحاب الأفراح، ويواسي المحزونين، ويدعم ويشجع الأيتام والأرامل، ويقدّر جهود الناس التي تبحث عن لقمة العيش، وعن مسلك شريف في الحياة فيباركها. وقد عُرف بالزهد والنسك والتقوى والبساطة وحسن الاستقبال، وسعة الصدر ومساعدة الآخرين. وقد ابتهج بلقياه كل مَن حظي بمقابلته

‎وقد كان لوفاة المرحوم سيدنا الشيخ أبو حسن عارف حلاوي صدى كبير على الموحدين الدروز في كل مكان، فاهتزت الطائفة بأسرها، وتأسفت على هذا الفراق، فقد خسرت مرجعاً دينياً روحياً وشخصية وطنية متميزة

يارا حلاوي: طالبة جامعية إختصاص الاعلام*