بقلم شادي عزّام
فإن الإنسان وهو يسير في هذه الدنيا يطمع أن يزاد في وقته، وعمره، وماله، وأبنائه، وجميع محبوباته، التي هي مظنة السعادة لديه. والعبد يدعو الله عز وجل أن يبارك له، وقد كان الصالحين يدعون بالبركة في أمور كثيرة
والبركة هي ثبوت الخير الإلهي في الشيء، فإنها إذا حلت في قليل كثرته، وإذا حلت في كثير نفع، ومن أعظم ثمار البركة في الأمور كلها إستعمالها في طاعة الله عزّ وجلّ
ومن تأمل في حال الصالحين والأخيار من العلماء، وطلبة العلم، والعباد يجد البركة ظاهرة في أحوالهم. فتجد الرجل منهم دخله المادي في مستوى الآخرين لكن الله بارك في ماله فلا تجد أعطال سيارته (مثلاً) كثيرة ولا تجد مصاريف ينفقها دون فائدة، فهو مستقر الحال لا يطالبه الدائنون، ولا يثقله قدوم الزائرين، والآخر: بارك الله في ابنة وحيدة تخدمه وتقوم بأمره، وأنجبت له أحفاداً هم قرة عين له، والثالث: تجد وقته معموراً بطاعة الله ونفع الناس وكأن ساعات يومه أطول من ساعات وأيام الناس العادية! وتأمّل في حال الآخرين ممن لا أثر للبركة لديهم، فهذا يملك الملايين، لكنها تشقيه بالكد والتعب في النهار، وبالسهر والحساب وطول التفكير في الليل، والآخر: تجد أعطال سيارته مستمرة فما أن تخرج من (ورشة) حتى تدخل أخرى! والثالث له من الولد عشرة لكنهم في صف واحد أعداء لوالدهم والعياذ بالله، لا يرى منهم برّاً، ولا يسمع منهم إلا شرّاً، ولا يجد من أعينهم إلا سؤالاً واحداً: متى نرتاح منك؟. وأما البركة في العلم فجلية واضحة، البعض زكى ما لديه من العلم – وهو قليل – فنفع الله به مدرساً، أو داعية، أو موظفاً، أو غير ذلك، وضدهم من لديه علم كثير لكن لا أثر لنفع الناس منه
و البركة إذا أنزلها الله عزّ وجلّ تعم كل شيء: في المال، والولد، والوقت، والعمل، والإنتاج، والزوجة، والعلم، والدعوة، والدابة، والدار، والعقل، والجوارح، والصديق ولهذا كان البحث عن البركة مهماً وضرورياً
إنها -بحقٍّ- ظواهر تلفت النظر، وتستثير التأمل والتفكير، تلك التي لا تقلُّ في إبهارها وإعجازها وأخذها بمجامع القلوب عن كثيرٍ من الآيات الكونية الرائعة، وكثيرٍ من البراهين الشرعية الساطعة
كيف استطاع اجدادنا ان يتجاوزوا الايام الماضية حيث الصعوبة في التواصل والمواصلات والعمل لغياب التكنولوجيا التي نمتلكها في زمننا الحاضر؟ وكيف استطاع علماءُ هذه الأمة أن يصنعوا مثل هذه المعجزات الباهرة، إلى حد أن الواحد منهم -في عمر قصير- يكتب من المؤلَّفات ما يحتاج منَّا إلى أعمار مديدة لقراءتها وتعلُّم ما فيها؟! وكيف نجحو في المحافظة على الارض و الثبات فيها اضافة الى القيم و العادات في ظل الظروف و التغيرات التي كانت تحدث انذاك؟ هذه الظواهر -وأمثالها كثيرة- ليس لها إلا تفسير واحد، إنها البركة… أجل إنها البركة
البَرَكَة التي إن وُجدت وحلَّت، اتسعت الأوقاتُ، وتضاعفت الطاقات، وتحققت الإنجازات، ووقعت المعجزات، وإن فُقدت أو رحلت، فربما خرج الإنسانُ من هذه الحياة -مهما طال عمره، وكثُر سعيُه- بلا زاد قدَّمه، ولا أثر خلَّفه
لكنْ يَنتَفِعُ ببركات الله في هذه الأرض الذين اتَّقوا ربَّهم وعَمَرُّوها بمنهج الله عزّ وجلّ وعلى العكس من هذا فإن التغيير والتبديل والإعراض عن منهج الله تعالى سبب لزوال البَرَكَة وذهاب الخير، فالّذين يتَّبعون كتاب الله، ويعملون به، ويتلونه آناء الليل وأطراف النهار؛ يُبارَك لهم في قلوبهم وإيمانهم وأعمالهم،ويبارَك لهم في أرزاقهم ومعايشهم، فليس هناك أعظمُ بركة من أن يأتيَ للإنسان رزقُه من حيث لا يحتسب ولا يتوقَّع، وأن يكون الله عزّ وجلّ هو حَسْبه وكافيه في تحقيق ما يؤمِّل ودفْعِ ما يحاذر، وأن يجعل الله تعالى له من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، إنها أسباب البركة الواسعة، والعافية السابغة، والخير الكثير المتنوع المتعدد، تجتمع وتتكاثر حول من يتَّقي اللهَ ويتوكَّل عليه، ويمتلئ قلبُه بخشيته وتفويض الأمر إليه
إن ذنوبَ الإنسان ومعاصيَه لتَحجُب عنه البركاتِ التي أودعها الله عزّ وجلّ في هذه الأرض، والتي بثَّها في وحيه المعصوم، وشريعتِه المحكَمة، فإذا به يسعى ولا بركة في سعيه، ويجمع ولا بقاء ولا قرار لما يجمعه، فإذا ما ثاب إلى رشده، وآبَ إلى ربِّه، ولهج لسانُه بالاستغفار؛ فإن هذا الاستغفارَ الحارَّ يمزِّق الحُجُبَ، ويحرق الأستار، التي كانت تَحول بين العبد وما ساق اللهُ له من البركات، فإذا بالخير يتدفَّق من كل جانب، وينحدر من كل صَوْب
:ولقد أشارت النصوص الدينية إلى أسبابٍ تُلتَمَسُ بها البَرَكَةُ من الله عز وجل، وفيما يلي بيان لبعض هذه الأسباب
تقْوَى الله عز وجل والتوكُّل عليه –
الاستغفار مع ترك الإصرار-
الدُّعاء بالبركة –
سلوك السبيل السَّويِّ في الكسب والاسترباح وطلب الرزق الحلال والتعفُّف عن الحرام وعن الشُّبُهات –
البر والصلة وحُسن المعاملة مع الخَلق –
حُسْن تنظيم الوقت والمبادرة إلى اغتنامه –
الجود والكرم والتكافل –
مما اصبح منتشراً في زماننا هذا شكوى الناس كباراً وصغاراً من فقدان هذه النعمة في كافة تفاصيل حياتهم فالاوقات تمضي بسرعة دون الاستفادة منها بالشكل المطلوب فأضحت العملة موجودة بكثرة ولكن دون قيمة فالكل منشغل و لا يجد الوقت الكافي لينجز كل ما يريد
هنا من الضروري ذكر دور الاجهزة الذكية و وسائل التواصل الاجتماعي التي وإن صح التعبير احتلت اوقاتنا وفرضت نفسها على الكبير و الصغير. فهي ساهمت في تسهيل حياتنا اليومية من تواصل وعمل وسرعة ولكنها تركت اثر سلبي على نمط حياتنا فهي التي ساهمت في الحدّ من التواصل المباشر والتسبّب بالكسل والتأثير على العلاقات الأُسرية وإنتهاك الخصوصية و التأثير سلباً على صحة أفراد المجتمع و تنمية بعض العادات السيئة… فلعلها ساهمت في ابتعاد الناس عن ربهم و سهلت طرق المعاصي لتكون سبباً اساسياً في حرمان النفوس من البركة
إن البَرَكَةَ نعمةٌ من نِعَم الوهاب، ونَفْحَةٌ من الواسع العليم، والكيِّس الفطِنُ هو الذي يلتمسها من المولى الكريم، ويدخل بإلتماسه على ربه من الأبواب التي رضِيها وشرَعها، والتي ذكرْنا بعضها كأسبابٍ لتحصيل البركة، وإن المسلم -وبخاصة في هذه الأزمان- لفي أمَس الحاجة إلى نيل البركات، ليصلَ إلى ما يريد من خيرَي الدنيا والآخرة من أقصر الطُّرق وأقربها
شادي عزّام : ناشط شبابي وإجتماعي