مواجهة كورونا بالقِيَم المُجتمعيّة

بقلم وائل ملاعب*

في بيئة “الموحّدين” وقراهُم، لستَ بحاجةٍ لدراسةٍ وتخصُّصٍ دينيّ لتتعلَّم وتُمارِس الحد الأدنى مِنَ القيم التوحيديّة

فسواء انتَمَيتَ لهذهِ الجماعَةِ أم اختَلَفَ انتماؤكَ، وسواءَ اتُّخِذتَ بالمنحى الدينيّ الإيمانيّ أم ابتعَدتَ عنهُ إلى حدِّ رفضِهِ، تجِدُ نفسَكَ غارِقاً غَرقاً فطرياً تلقائياً بمَفاهيمَ وسلوكيّات شديدة الفَرادة

ليسَ للجانِب الديني الفقهي أي دور في سياقِ حديثِنا السابِق والمُرافِق واللاحِق، فمجموعة النُّظُم التي تَحكُم الحديث في جوهَر الدّين مُختلفة وخاصة

إنَّما المُنطَلَقُ هُنا هو السُّلوك الإجتماعي والذي يتكوّن مِن مزيجٍ لَفظِيٍّ وفعليّ، هذا السُّلوك الذي رغمَ تطوُّرِهِ في اتجاهاتٍ متقابِلة يبقى جليّاً فيهِ أثر القيم الدينيّة الإجتماعيّة المُتوارثة التي تفرُض نفسها كعامِلٍ إيجابيٍّ بَنّاء على الثابِت والطارئ

   ما تقدَّمَ، هو الباب الذي سندخُلُ عبرهُ إلى إسقاطٍ عمليٍّ فعليٍّ مُلحٍّ لمنظومةِ القِيَمِ والسُّلوكيّات التي تَغنّينا ونتغنّى بها وبِدورِها في تأطير النُّظُم الإجتماعيّة والأخلاقية العامة، لنُعَلِّلَ بالدَّليلِ حجمَ تأثير وراهنيّة هذه القِيَم

فمما لا شك فيهِ أنَّ ظاهرة الجائحة المرضيّة الجديدة “كورونا” وكلّ المتطلِّبات وأدوات المُواجة والمصطلحات والتسميات التي رافقتها قد حلَّت ضيفاً مُباغِتاً على جميع سُكّان الأرض، “إلّا مَن كانَ مُدَبِّراً للمكائِد ومِحراكاً للشرور”

وهي بدورِها قد حلَّت بالمُباغَةِ عينها على المناطِق المُجتمعيّة المُتمايزة والبيئات المختلفة كبيئة المُوحدين، وحملت معها ما حملت من مفاهيمَ ومُتطلِّبات جديدة لم تكُن لِتَرِد في أذهان الغالبيّة العُظمة لَولا اشتِداد الخطر واقتِرابِهِ من كُلِّ باب

لماذا نتحدَّث عن هذه البيئة تحديداً ؟

لأنَّ الميزة الأسمى لهذه البيئة هي التَّقارُب الإجتماعي، بينما السلاح الأمضى لمواجهة الجائحة الطارئة هو التباعُد الإجتماعي

لأنَّ السُّلوكيّات الأنبل في هذه البيئة هي المُساهمة والواجب والتكافل والإلتقاء والمُصافحة والتقبيل والعناق والتواصل المُباشر ومُشاركة القضايا وكرم الضيافة 

بينما الأدوات الوحيدة للتعامُل مع الضيف المُباغِت هي عدم الإختلاط والإمتناع عن الإحتكاك وتجنب التجمعات والتوقف عن المُشاركة

هذه المعطيات وغيرها الكثير جعلت من البيئة التوحيديّة أكثر تضرراً في طريقة العيش الجديدة هذه، فعادات القرى المُتوارثة على مدى عقود أكسبها الوقت والممارسة مناعةً على التبدد أو الإندثار لمجرّد الخوف من عدوى

هُنا برزَ التحدّي الأصعب، هذا التحدّي الذي وضعَ بيئةً بأكملها أمام طريقين فقط، فإمّا قوّة السلوكيّات الإجتماعيّة المتوارثة، وإمّا راهنيّة وفعاليّة القيم التوحيديّة الإجتماعيّة، وهذهِ الراهنيّة التي لا يُمكِن أن تتحقَّق بغياب أصحاب الإختصاص والفقه الذين يتوجب عليهم العمل لتثبيت راهنيّتها

من هُنا نجِد أن الميدان اليوم هو محكٌّ لأهلِ القِيم، الذينَ وَلَّوا العقلَ وأوَّلوه وجعلوهُ في أعلى مراتِبِ الإيمانِ والتوكُّل

هذا العقل الذي يُجبِرُنا أن نُبعِدَ الأذى عَن أجسادِنا كما نُبعِدُهُ عن أنفُسِنا

هذا العقل الذي يُطالِبُنا اليومَ بالتعامُلِ مَعَ واقِعٍ مُختَلِفِ وخطير يُحَتَّمُ فيهِ تبدِيَة التعقُّل والوعي على السُّلوكيّات

  إنَّ الأزمنةِ الصعبة تتطلَّب رجالاً حُكَماء لا الأزمنة السمحة السهلة، وغاية الحكمة هي تجاوز المخاطِر والشُّرور والدفعُ نحو الأمانِ والخيرِ والحقّ

هذهِ المرحلة الدقيقة تستوجِبُ استِقتالاً مِن نوعٍ آخر وبسالَةٍ بطرائِقَ أخرى ودفاعاً بأسلِحةٍ غيرُ تقليديّة

هذه المرحلة تستوجِبُ العقلَ والحكمةَ لا أكثر، فإذا كانَ في صِيامِ رَمَضانَ صحَّةٌ للأبدان، فإنَّ في تَباعُدِ الإخوان اليوم سلامَةٌ للإنسان، لذلك فليكُن شعارُ المرحلة …#تباعَدوا_تصُحّوا

وائل ملاعب – شاعر وناشط سياسي وإجتماعي