ولد الشيخ الجليل أبو يوسف أمين أبي المنى في بلدة شانيه سنة ألف وتسعماية ميلادية، وتوفي سنة ألف وتسعماية وثلاثة وتسعين ميلادية. (1900-1993)
من سلالة المشايخ الأعيان، يتحدر من سلالة المرحوم الشيخ أبو حسين شبلي أبي المنى، توفي والده وهو صغير، ومع بداية الحرب العالمية الأولى وتفشي الأمراض، وانتشار المجاعة أنذاك، قصدت والدته بلاد الشام لتحمي عائلتها المؤلفة من ثلاثة صبيان وبنت، إلا أن هذه الفتاة توفيت قبل وصولهم إلى المكان المنشود. سافر إخوته إلى بلاد الاغتراب وتركوه مع والدته التي ما لبثت أن توفيت، حين كان يتعبد في خلوات البياضة، فعاش وحيدًا. تتلمذ على يد الشيخ أبو فارس محمود عبد الخالق، والشيخ أبو يوسف حسين هاني.
ظهرت عليه أمارات التقوى والورع منذ نعومة أظفاره، فقصد البياضة الزاهرة لاكتساب المعلوم الشريف، حيث عرف عنه صدق اللسان، وطهارة الجنان، ونقاء السريرة، وصفاء النية.
سلك في التوحيد أشرف المسالك، متأثرًا بقصة ابراهيم ابن أدهم (رضي الله عنه) الذي تخلى عن الملك وعاش سائحًا في البراري متعبدًا، فنشأ ورعًا زاهدًا، عابدًا مجاهدًا، قليل الكلام، قليل الطعام، قليل المنام، صابرًا على ملمات الدهر.
ذاع صيت ثلاثة شبان في حفظ المعلوم الشريف وتطبيق مسالكه، أحدهم في الباروك، والثاني في معصريتي، والثالث في شانيه، وأصروا على الاجتماع معًا، والبقاء إلى جانب بعضهم البعض في السراء والضراء، ولم يعرف عنهم مرة أنهم تكدروا.
تزوج من سيدة من آل ملاعب من قرية بيصور، سيدة تقية ورعة كانت له نعم الزوجة، رزق منها بأربعة أبناء ولدين وبنتين، مرضت الصغرى ابنة السنوات الأربعة، وحين عرف أنها مشرفة على الموت، خاطب زوجته قائلًا: إذا ترك أحدهم أمانة عندك، وجاء بعد فترة ليأخذها، هل تعطينه إياها؟ فاستغربت السؤال وأجابت على الفور طبعًا إنها له، فقال: كيف إذًا بأمانة المولى عز وجل؟! هذه الفتاة أمانة عندنا، وقد حان موعد استرداد الأمانة، فكانت خير مثال في الصبر والرضى والتسليم لحكم الله.
تخلى عن كل ملذات الدنيا وشهواتها، وانتقل إلى بلدة معصريتي، وعاش في خلوتها ليكون على مقربة من سيدنا الشيخ الجليل أبو حسيب أسعد الصايغ، وسيدنا الشيخ الجليل أبو حسن عارف حلاوي، وتعبد زاهدًا في خلوته تلك يحيي الليل ساجدًا متضرعًا خاضعًا للمولى عز وجل، حتى كان له ما أراد وتوفي وهو ساجد بعد تلاوة فرض الصباح في بلدة أغميد في الرابع من شهر آذار سنة ألف وتسعماية وثلاثة وتسعين.
قبل نكبة فلسطين سنة ألف وتسعماية وثمانية وأربعين توطدت أواصر الصداقة بالمرحوم الشيخ الجليل أبو يوسف أمين طريف وتبادلا الزيارات، إلا أن انقطاعهما بعد النكبة أثر فيه كثيرًا، فحرَّر له رسالة ضمنها أشواقه وتحسره على البعد، فذاع صيت هذه الرسالة، وتداولها القاصي والداني لجزالة خطابها وقوة معانيها وبلاغة ألفاظها، هو الذي لم يدخل مدرسة، ولم يتلق علمًا، إلا أن حفظ المعلوم الشريف والتعمق في فهمه وتلاوته الدائمة مكنه من اكتساب ملكة الكتابة وقوة الجزالة.
أقيم له أجر مهيب حضره آلاف المشيعين، ونصبت الستارات لإقامة الصلاة إلا أن تساقط الثلج الكثيف أوقعها، وأشرقت الشمس ساطعة حين سجي للصلاة، والملفت حينها أن أحدًا لم يشعر ببرودة الطقس، على الرغم من أن الثلج كان قد ملأ المساحات ليلًا.
وفي الوقت عينه أقيم له مأتم حاشد في فلسطين المحتلة، وختم الصلاة فيها الشيخ أبو يوسف أمين طريف.
ووري الثرى في منزله في خلوة بنيت بمباركة الشيخ الجليل أبو حسن عارف حلاوي، حيث صارت مأمًا للكثيرين الذين يروون عنه الكرامات التي عاينوها، لأن من أطاع الله عز وجل أطاعت له العباد. عرضت عليه العمامة المكولسة أكثر من مرة إلا أن تواضعه جعله يرفضها.